2015-10-10 

أكراد العراق يفرون لأوروبا مرة أخرى

من أربيل، إيزابيل كولز

أ(رويترز) - الاقتصاد يتراجع لكن التجارة لم تزدهر يوما بهذا الشكل في إقليم كردستان العراق. يتحصل المهربون على آلاف الدولارات من شبان أكراد دفعهم الإحباط لترك المنطقة شبه المستقلة التي تحارب الآن متشددي تنظيم الدولة الإسلامية وتعتصرها أزمة اقتصادية. وينضم المهاجرون إلى مئات الآلاف من الفارين من الفقر والصراع بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا ويتكدسون في قوارب متهالكة أو يتخفون داخل شاحنات أو يقطعون مسافات شاسعة عبر الحدود سيرا على الأقدام. لكن فيما يتعلق بالأكراد تسلك الهجرة مسارا معاكسا لاتجاه كان سائدا في السنوات الأخيرة حين كان كثير ممن فروا من منطقتهم يعودون لدى استقرارها وانتعاش اقتصادها. قال مهرب كردي يعمل بالتجارة منذ ما يقرب من 30 عاما إن الشبكة التي يعمل بها أرسلت 255 شخصا إلى أوروبا في مايو أيار ويونيو حزيران فقط جميعهم تقريبا من الشبان. وأضاف "بل أني أرفض تسفير بعض الناس لشدة التهافت... الربح يزيد. هذا أفضل سبيل لكسب المال." وتلقت مظاهر الرخاء في كردستان العراق لطمة أوائل العام الماضي عندما قلصت بغداد نصيب الأكراد من الميزانية مما كان له تأثير على قدرة المنطقة عن سداد رواتب أعدادها المتزايدة من العاملين. وتعمقت الأزمة مع هبوط أسعار النفط العالمية وهجوم مقاتلي تنظيم الدولة الإسلامية الذين سيطروا على ثلث العراق الصيف الماضي مما أبعد المستثمرين الأجانب وأثار موجة نزوح بسبب العنف في بقية أنحاء العراق. قال أي الدين حسن وهو شاب عمره 27 عاما من بلدة سيد صادق "لم أكن أتخيل أبدا حتى العام الماضي أني سأغادر كردستان... لكن الأمور تدهورت جدا ولم يعد لدي شيء هنا." - البرلمان يدق جرس الإنذار الشبان من أمثال حسن يتحدثون عن ارتفاع أسعار الوقود وتكرار انقطاع الكهرباء والكفاح لاقتناص فرصة عمل ومناخ المحسوبية والفساد بين النخبة الحاكمة كأسباب تدفعهم للرحيل. ودق يوسف محمد رئيس برلمان كردستان في الآونة الأخيرة ناقوس الخطر يحذر من الظاهرة وحث الحكومة على التحرك للحد من موجة الخروج. قال إن الشباب كانوا وما زالوا المحرك لإعادة إعمار كردستان والطاقة المحركة لنجاحاته وإن من المهم أن يواجهوا هذا الموقف بنفس روح الوطنية. إلا أن كثيرا من الشبان الأكراد من أمثال كروان سئموا الحياة بالإقليم. كروان البالغ من العمر 23 عاما ظل يدخر من المال ما يمكنه من السفر لأوروبا منذ فقد عمله الصيف الماضي عندما تركت شركة النفط الأجنبية التي كان يعمل بها كردستان مع زحف الدولة الإسلامية. ورغم أن المنطقة آمنة نسبيا يقول كروان إنه لم يعد يشعر بالأمان في منطقته أربيل الواقعة على بعد نحو 50 كيلومترا عن خط الجبهة وإنه لن يترك السياسة المتقبلة بالعراق تحدد له مصيره. قال كروان الذي كان يتحدث الإنجليزية بطلاقة بلكنة أمريكية "العلاقة بين بغداد وكردستان تشوبها شوائب كثيرة وذلك يؤثر علينا... مللت وسئمت هذا." في الوقت ذاته سعى أكثر من مليون عراقي معظمهم من العرب للعيش بين الأكراد مما شكل ضغطا على موارد المنطقة التي يعيش بها خمسة ملايين نسمة وأحدث تغيرات على تركيبتها السكانية. القادمون الجدد ليسوا محل ترحيب بين الأكراد الذين شبوا بعد أن نال الإقليم وضعه شبه المستقل عام 1990 ولا يشعرون بارتباط كبير مع العراق. قال هاوري وهو شاب عمره 22 عاما يفكر أيضا في الهجرة "يأخذون فرص العمل من الأكراد." ويفضل كثير من أصحاب العمل تشغيل لاجئين عرب أو أكراد من سوريا لأنهم يتقاضون أجورا أقل ويعتبرون أكثر تحملا لضغوط العمل من أكراد العراق الذين لم تكن تروق لهم تلك النوعية من الأعمال التي يتهمون الآخرين الآن بانتزاعها منهم. والمفارقة حاضرة في ذهن هاوري الذي لا يستبعد أن يلقى نفس مشاعر العداء في أوروبا حيث زاد نشاط الأحزاب اليمينية المناهضة للهجرة مع تزايد أعداد طالبي اللجوء. - الدوائر تدور توجد جاليات كبيرة من أكراد العراق في النرويج وبريطانيا وهولندا وألمانيا والسويد وإن كانت لا تتوافر أرقام لأعدادهم في أوروبا. قال إيرلند باشي خبير شؤون الهجرة في معهد أبحاث السلام في أوسلو إن الهجرة من كردستان إلى أوروبا بدأت عام 1975 بعد انهيار انتفاضة على بغداد. وأضاف أن من كان يملك الموارد كان ينتقل بأسرته إلى أوروبا. وحدثت موجة ثانية أكبر كثيرا في التسعينات من القرن الماضي عندما نشبت حرب أهلية بين فصائل كردية متنافسة وفرضت عقوبات على العراق مما سبب أزمة طاحنة في أنحاء البلاد وبخاصة في الشمال الذي كان خاضعا أيضا لحصار فرضته بغداد. وسافر العديد من الشبان لأوروبا للعمل وإرسال أموال لذويهم بالعراق. واستمرت موجة الهجرة إلى أوروبا حتى بعد الإطاحة بصدام حسين في الغزو الذي قادته الولايات المتحدة عام 2003 وبدء تحسن الأوضاع بالإقليم. تدفقت إيرادات النفط وتحسنت مستويات المعيشة ونعم كثير من الأكراد بالثراء في الوقت الذي بدأت فيه أوروبا تعاني أزمات اقتصادية. قال باشي الذي يعد الدكتوراه في الهجرة العائدة من النرويج وبريطانيا إلى كردستان العراق "دارت الدوائر وأصبح غير المهاجرين في كردستان أفضل حالا في الغالب من المهاجرين." ونتيجة لذلك عاد كثيرون ممن نزحوا عن المنطقة ومنهم أكراد ولدوا في أوروبا وشبوا فيها لكنهم رغبوا في تجربة الحياة في وطنهم الأم. هم الآن ينزحون مرة أخرى.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه