2015-10-10 

الكاميرا القاتلة

مشاري الذايدي

في مسلسل أميركي عن البوليسية ومطاردة الجريمة، نجد هذا المشهد: جرائم قتل متتابعة تتم بنسق متشابه، فيه كثير من التباهي والرمزية، يحاول المحققون تحليل هذا النسق، وأخيرا يتم التوصل إلى أن هذه العلامات التي يتركها القاتل، كما نمط الجريمة، يشبه رواية رعب مسلسلة، دأب أحد كتّاب هذا النوع من القصص على نشرها بالإنترنت، يقبض البوليس على الكاتب، يحققون معه، يصر الكاتب أنه مجرد كاتب خيال، لا علاقة له بأي جريمة، بعد التحقق التام، يقتنع الضابط أن الرجل فعلاً مجرد كاتب خيالات، ولكنه يسأله، هل لاحظت وجود شخص معين، مهووس بما تكتبه، ويلح في المتابعة والتراسل معك، قد يكون صبيًا مراهقًا؟ حينها يتذكر الكاتب اسم صبي مغرم بقصصه المرعبة. المشهد التالي، تهرع قوة البوليس للقبض على الصبي بعد تحديد مكانه، وكان بالفعل متجهًا لتجسيد جريمة كتب عنها الحكاء الخيالي، وحين تم محاصرة الصبي، هرب لمواقف السيارات في إحدى البنايات، وأثناء التفاوض معه للتسليم، بعد أن اختطف امرأة بريئة ووضع على رقبتها مسدسًا غريبًا، مسدسًا يطلق البراغي وليس الرصاص! انهار الصبي أثناء التفاوض، وكان أوشك على أن يستسلم، ولحظتها انشقت الأرض عن مراسل تلفزيوني وخلفه الكاميرات، يبدو أن الصبي المختل أخبرهم عن نيته فعل شيء هذا اليوم، وفجأة تغيرت ملامح الصبي من الضعف للقوة، ومن الوجوم للابتسام الكريه، التفت ناحية الكاميرات، وأطلق برغيًا قاتلاً على رقبة المرأة، وهو يبتسم بحيوانية، لترديه رصاصة الشرطة، مع صرخة الضابطة: لقد منحوه جمهورًا، تعني الإعلام. تذكرت هذا المشهد، وأنا أقرأ عن جريمة حدثت بأميركا قبل يومين، حيث أقدم هذه المرة، الستيني (جون هاوسر) يقال إن لديه نزعات نازية، على جريمة حقيرة، حين فتح النار داخل صالة سينما مكتظة في ولاية لويزيانا، فقتل امرأتين وجرح تسعة أشخاص قبل أن ينتحر. ما لفت الانتباه هو أنه من بين الفرضيات التي تدرس أن يكون مطلق النار قام بهذا العمل «للتقليد». كما قال قائد شرطة مدينة لافاييت: «إننا ندرس هذه الفرضية». والتقليد هو لجريمة وقعت قبل 3 أعوام قتل فيها 12 شخصًا في سينما في ولاية كولورادو في 20 يوليو (تموز) 2012، على يد شاب عشريني، أثناء عرض فيلم عن «باتمان». هناك صنف من المعاتيه يحركهم هوس الإعلام، ومستعد أن يرتكب ما يخطر وما لا يخطر على البال، لجذب انتباه الإعلام. كما أنه قد يكون غافلاً عن كيفية تنفيذ هوسه، حتى يقدح الإعلام، عبر تغطياته، شرارة الشر في ذهنه. هذا الأمر يضع مسؤولية دقيقة على الإعلام، خصوصا «الإعلام الجديد». السؤال ما هو الفالق الفارق، بين نقل الخبر بحدوده الطبيعية، وبين توفير الدعاية للجريمة، عبر التغطية المكثفة التي توفر الغذاء للمجرم؟ الإعلام كالهواء والماء بالنسبة لعالم الجريمة، لكن الأخبار المثيرة هي أيضا تمثل نفس القيمة للإعلام. كيف الخلاص؟

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه