(رويترز) -"أقسم أن أكون مواطنا مخلصا لدولة إسرائيل"... هذا هو نص القسم الذي يجب أن يؤديه كل من يحصل على الجنسية الإسرائيلية. ومن الملاحظ أن عدد الفلسطينيين الذين يرددون هذه الكلمات في تزايد. في القدس الشرقية التي احتلتها إسرائيل في حرب عام 1967 وضمتها فيما بعد في خطوة لم تلق اعترافا دوليا تحيط التعقيدات بالقضايا المرتبطة بالهوية الفلسطينية. فبينما تعتبر إسرائيل أن شرق المدينة جزء من الدولة فإن ما يقدر بنحو 300 ألف فلسطيني يعيشون هناك لا يعترفون بذلك. هم ليسوا مواطنين إسرائيليين بل يحملون بطاقات هوية زرقاء تصدرها إسرائيل وتمنحهم حق الإقامة الدائمة. وفي حين أن بإمكانهم السعي للحصول على الجنسية إذا أرادوا ترفض الأغلبية العظمى من الفسلطينيين ذلك إذ لا يريدون التخلي عن تاريخهم أو النظر إليهم على أنهم يقبلون بالاحتلال الإسرائيلي الذي بدأ قبل 48 عاما. ويقول باحثون ومحامون إنه على مدار السنوات العشر الماضية خاض عدد متزايد من الفلسطينيين المقيمين بالقدس الشرقية غمار طريق طويل اللازم للحصول على الجنسية الإسرائيلية. ويعبر هذا في جانب منه عن فقد الأمل في قيام دولة فلسطينية مستقلة. وهو يعكس أيضا تفكيرا عمليا ينطوي على اعتراف بأن حمل الجنسية الإسرائيلية ييسر اقتناص فرصة عمل أو تغيير المهنة أو شراء منزل أو تغيير جهة السكن أو السفر للخارج أو الحصول على الخدمات المختلفة. ويحجم المسؤولون الإسرائيليون عن الكشف عن أرقام لكن بيانات معهد القدس لدراسات إسرائيل تشير إلى قفزة في السنوات العشر الأخيرة إذ ارتفع عدد الطلبات المقدمة للحصول على الجنسية من 114 طلبا في عام 2003 إلى ما بين 800 وألف طلب في العام حاليا يحصل نحو نصف مقدميها على الجنسية في نهاية المطاف. علاوة على ذلك تلقت الجهات المعنية أسئلة من مئات قبل بدء عملية تقديم الطلبات رسميا. وتظهر أرقام حصلت عليها رويترز من وزارة الداخلية أنه كان هناك 1434 طلبا في عام 2012-2013 تمت الموافقة على 189 منها بينما لايزال 1061 طلبا قيد البحث وقوبل 169 طلبا بالرفض. ولم يعرف مصير بقية الطلبات. ولا يحبذ الفلسطينيون الذين قدموا الطلبات الحديث عن الأمر. فأداء قسم الولاء ليس سهلا عليهم كما أن الحصول على الجنسية الإسرائيلية والانضمام للعدو من المحرمات. وقالت مدرسة فلسطينية (46 عاما) أدت القسم قبل عام "شعرت بإحساس سيء.. سيء حقا." وأضافت "نريد أن نعيش حياتنا وحسب... في نهاية المطاف السياسة لا تفيد بشيء." * جذور أعمق ينبع جانب من تخوف الكثير من أبناء القدس الشرقية من احتمال أن تلغي إسرائيل بطاقات هويتهم الزرقاء في أي وقت لأن الاحتفاظ بها يتوقف على الإقامة بالقدس لمعظم الوقت. فسكان القدس يمكن أن يفقدوا بطاقات الهوية إن هم قضوا وقتا طويلا في الخارج او انتقلوا للعمل في مكان آخر. ولا يكون هذا هو الحال إن هم حصلوا على الجنسية. تقول المدرسة في معرض شرحها لأسباب سعيها للحصول على الجنسية "أردت تقوية موقفي في القدس." وأضافت "هذا وطني... ولدت هنا وأعيش هنا وأريد أن أبقى هنا." وعبر آخرون عن نفس الفكرة التي تبدو في نظر البعض بعدا عن الوطنية لكنها في الوقت نفسه تزيد من قدرتهم على الحفاظ على جذور ثابتة في القدس. قالت راقصة باليه فلسطينية (26 عاما) قدمت طلبا للحصول على الجنسية في يونيو حزيران "شعرت أني أخطأت فعلا. أحسست بقدر من الخزي لأنه ينتابك شعور وكأنك تخليت عن هويتك." أضافت "لكنني إذا حصلت على جواز سفر إسرائيلي فلن أكون شديدة الضعف هكذا خاصة وأنني أعيش بالقدس الشرقية. من السهل جدا طردنا." أبلغت راقصة الباليه أسرتها التي اندهشت في البداية ثم تقبلت اختيارها. لكن هناك آخرين يخشون رد فعل مجتمعهم على كسر أحد المحرمات.. لذا يخفون قرارهم حتى عن الأقارب والأصحاب. والقدس الشرقية منطقة رمادية بالنسبة لكثير من الفلسطينيين. فهم يدفعون ضرائب للبلدية الإسرائيلية ويحصلون على مزايا صحية وتأمينية لكنهم عادة ما يلقون إهمالا حين يتعلق الأمر بالخدمات الأساسية من جمع للقمامة إلى إنشاء ملاعب جديدة وتوفير الموارد اللازمة للمدارس والمستشفيات. والوضع شديد السوء في أماكن مثل مخيم شعفاط للاجئين الذي يقطعه الفرد خلال بضع دقائق من البلدة القديمة. ويقع المخيم خلف الجدار الفاصل الذي بنته إسرائيل قبل بضع سنوات بعد موجة من التفجيرات الانتحارية. وللوصول إلى القدس الشرقية يجب أن يقف سكان شعفاط في طابور ليعبروا الممر المحاط بالأسلاك ليجتازوا الجدار. ويعيش نحو 100 ألف فلسطيني خلف الجدار لكنهم أيضا من أبناء القدس. وقالت ادي لاستيجمان وهي محامية تمثل الفلسطينيين في طلبات الحصول على الجنسية الإسرائيلية "الجدار أثار حالة ذعر... خشي الناس أن تنتزع منهم تصاريح إقامتهم وأن يحرموا من حقوقهم بعد أن أصبحت منازلهم خلفه." وأكدت لاستيجمان تزايد أعداد طلبات الحصول على الجنسية في السنوات الأخيرة على اعتبار أن الجنسية ستحول دون ذلك. * تغير ديموجرافي تأتي القرارات الصعبة بشأن الهوية في وقت تتصاعد فيه حدة التوترات السياسية والدينية في القدس.. وإن كانت خطى الاندماج في تزايد أيضا إلى حد ما. ولعل أبرز علامات ذلك شبكة السكك الحديدية بالمدينة التي تتيح للركاب -وهم خليط من اليهود المتدينين والإسرائيليين العلمانيين والفلسطينيين والسائحين- الوصول سريعا إلى مراكز التسوق والأسواق والمتنزهات في القدس الغربية. كما ينتقل مزيد من الفلسطينيين -وإن كان بأعداد صغيرة- إلى أحياء تسكنها أغلبية من اليهود بل وإلى مستوطنات على أراض محتلة. يقول خليل تفكجي خبير الخرائط وعضو فريق التفاوض الفلسطيني سابقا إن الجمود السياسي والشعور بالإحباط من السعي على مدى سنوات من أجل إقامة دولة فلسطينية يزيدان من أعداد المتقدمين للحصول على الجنسية الإسرائيلية. ويضيف "إذا استمر هذا الوضع على ماذا سيتفاوض الفلسطيني؟" وتساءل هل يتفاوض على أرض خسرها فعلا أم على سكان يجري فقدهم فعليا. وقال إن إسرائيل تحاول إحكام سيطرتها على القدس ديموجرافيا وهي عملية يساعد فيها حصول فلسطينيين على الجنسية الإسرائيلية. وأضاف أنه منذ عام 1967 حصل نحو 24 ألف فلسطيني على الجنسية أي ما يساوي نحو عشرة في المئة من سكان القدس الشرقية الفلسطينيين. ويكون التأثير الديموجرافي أوسع عندما يوضع في الاعتبار أن أبناء الحاصلين على الجنسية الإسرائيلية يولدون إسرائيليين. ورفض وزير الداخلية الإسرائيلي سيلفان شالوم الحديث عن التغيير الديموجرافي. وقال شالوم الذي تشمل مهام منصبه الشؤون الفلسطينية "هذا لن يؤثر على المفاوضات مع الفلسطينيين التي تضم قضايا أكبر وأوسع نطاقا."