في الثاني من أغسطس عام (1990) داست القوات العراقية الغازية أرض الكويت الطاهرة في مشهد كارثي ليس له سبق تاريخي لدرجة أن الكثيرين لم يصدقوا ذلك في البداية. فلم يكن أحد على علم بدخول القوات العراقية عاصمة البلاد إلا عندما شاهد بعض المواطنين القوات وآلياتهم العسكرية منتشرة في الشوارع، ولقد كان المشهد صدمة حقيقية غير متوقعة من جار عربي وقفت الكويت معه سنوات طويلة داعمة له سياسياً وأمنياً واقتصادياً انطلاقاً من الترابط الوثيق وصلات الأخوة. إن ما حصل من أهوال يشيب لها شعر الرأس في فترة الاحتلال لم تحدث حتى من النازيين من حيث وسائل التعذيب والتشريد والقمع والدمار، وإصابة المدنيين بمختلف أعمارهم، وخصوصا قتل الشباب أمام أهاليهم، فضلا عن السرقة المنظمة لكل ممتلكات الدولة لتنتهي الكارثة بحرق مئات الآبار النفطية الكويتية. ولقد وثقت تداعيات الغزو في الأمم المتحدة، وهي أحد الأسباب في إصرار الأمم المتحدة على دحر العدوان، وتأديب الغازي بفرض العقوبات عليه، وإلزامه بالتعويض، ورسم الحدود، والبحث عن المفقودين، وإرجاع الممتلكات الكويتية من آثار ووثائق وغيرها. والعراق في زمن صدام لم يستوعب مطالبات الدول بخروجه من الكويت، ولم يدرك معنى كلام الرئيس الأميركي بوش (الأب) عندما قال لصدام «غادروا الكويت قبل فوات الأوان». تشير الدراسات أن الغزو العراقي للكويت لا علاقة له بكل الإدعاءات العراقية التي وردت في الرسائل المتبادلة بين العراق والكويت أو الجامعة العربية، فلقد كان هدف العراق من الغزو ليس إنهاء الخلاف الحدودي وفق الإطار الدولي، أو الإدعاء العراقي بالأضرار الاقتصادية، وإنما الهدف الأسمي كان ضم كل الكويت إلى العراق على أساس إن الكويت تابعة، وإحدى المحافظات العراقية. وهذا يتوافق مع تصريحات المسؤولين العراقيين منذ حكم الملك غازي مروراً بعهد عبدالكريم قاسم إلى صدام حسين.. الكثير من الكويتيين يتذكرون تصريحات وزير خارجية العراق مرتضى سعيد عبدالباقى في (1973) عندما ادعى ان كل الكويت أرض عراقية، لكن العراق يتخلى عن ذلك إذا حصل بالمقابل على جزيرتي وربة وبوبيان!! المجرمون العراقيون لم يكن يدور في خلدهم أن تحرير الكويت سيكون مشروعاً أممياً لمعاقبة الظالم، وإعطاء المظلوم حقه كاملاً، فلقد كان الإجماع الدولي على التحرير هائلاً وتاريخياً وسريعاً هدمت كيان النظام العراقي المستبد، وأدخلت العراق في ضياع مازال يعاني منه إلى هذه الساعة... إننا اليوم ونحن نستذكر الغزو والشهداء، وضياع الدولة، والتشرد، وغيرها من مصائب، نتذكر أيضاً عنفوان الوحدة الوطنية التي أصرت على المقاومة والالتفاف مع الشرعية، وبذل الطاقات على المستويين الرسمي والشعبي من أجل التحرير والعودة إلى الوطن لإعادة بنائه. لقد كان الغزو درساً قاسياً للكويتيين تعلموا منه كيف يكون الغدر من الذين وقفت معهم الكويت، وأن السياسة تتطلب الانتباه من الدسائس التي تحاك حتى من أقرب الناس، وأن التهديدات ينبغي أن تؤخذ على محمل الجد، حاجتنا أكثر من ملحة لوحدة وطنية متلاحمة مع أشقائنا في مجلس التعاون، وإدراك أن مواجهه التحديات تتطلب المزيد من العلاقات الوثيقة مع دول العالم، وخاصة في المجالات العسكرية والأمنية والسياسية. وفى خضم تذكر الغزو الأليم لا ننسى الموقف التاريخي للملك فهد بن عبدالعزيز رحمه الله ملك المملكة العربية السعودية من العدوان على الكويت والذي لا ينساه أهل الكويت عندما قال إن «الكويت والمملكة في قارب واحد، فإما أن تبقيا معاً، أو تذهباً معاً». كلمة شكر وتقدير لهذا الرجل وأمثاله لمواقفهم النبيلة والإنسانية والتي أدت إلى تحرير الكويت يوم (17) يناير 1991 عندما بدأت عاصفة الصحراء. من جريدة الرأي الكويتية