بعد عاصفة «غير بريئة» هبّت من عواصم عدة، روّجت أن ثمة تغييراً في الموقف السعودي حيال نظام بشار الأسد وأنها باتت مستعدة للقبول به، حسم وزير خارجية المملكة العربية السعودية عادل الجبير الأمر، مرة في برلين وأخرى في موسكو، وخلال أيام سريعة متتالية، مؤكداً أن الرياض لا ترى لبشار أي دور في المستقبل ولا حتى في حكومة انتقالية. ولكن بقيت هناك ثغرة يحاول منها الروس، ومعهم الأميركيون، اختراق الموقف السعودي المبدئي، وذلك بالترويج لنظرية «داعش أولاً» وهي نظرية خاطئة سياسياً وميدانياً، وكان حرياً بالأميركيين قبل الروس الإقرار بذلك بعدما لاحظوا صعوبة تشكيل قوات خاصة سورية لمحاربة «داعش» فقط على رغم كل إغراءات المال والتدريب والتسليح، فما أن يسمع المتطوع السوري بأن وظيفته هي محاربة «داعش» فقط وليس النظام الذي ثار عليه حتى ينسحب من البرنامج، ومن بقي منهم ودخل سورية مدججاً بالسلاح، أصبح محلاً للشك ونهباً للفصائل الأخرى، ولكن لو قبل الأميركيون بالرأي السعودي والتركي «بشار أولاً» لأصبح هؤلاء أبطالاً، وربما بؤرة جذب لمزيد من المتطوعين، ولكنهم لا يزالون يقولون «داعش أولاً»! السعودية هي الأقرب وفي وسط الأحداث، والمتضرر المباشر من حال الانهيار في سورية ونتائجها، كالحرب و«داعش» والفوضى والتهريب وتجارة البشر والسلاح، كما أنها الأدرى بواقع الحال هناك، وبالتالي لا بد من الاستماع إليها وهي تقول: «الأسد أولاً» فما مبررات هذا القول؟ لأنه لن يحارب «داعش» على الأرض غير سوريين، لا سعوديون ولا روس، فهم أصحاب المصلحة في ذلك، اكتووا بنار التنظيم ويعلمون أنه من سيحول بينهم وبين حلمهم ببناء سورية الحرة لكل السوريين، لا يريدون استبدال استبداد «آل الأسد» باستبداد «داعش»، وليس صحيحاً مقولة الروس إن سورية ستسقط تباعاً بيد «داعش» حال سقوط الأسد، فالمعارضة السورية بوطنييها وإسلامييها هم من يقاوم اليوم تمدد «داعش» في بلادهم، وليست قوات النظام التي انهارت أمام «داعش» في تدمر قبل أسابيع قليلة، فيما يشبه «الاستلام والتسليم»، فخلال اجتماع موسكو بين الوزيرين السعودي والروسي، شنّ «جيش الإسلام»، وهو فصيل إسلامي قيل إنه يحظى بدعم سعودي، هجوماً شرساً على «داعش» في ريف دمشق الشرقي، بعدما تقدم باتجاه القلمون وطريق دمشق - حمص، منطلقاً من مناطق نفوذه ببادية تدمر. إنها معارك ما كانت الثورة السورية في حاجة إليها، ولكن «جيش الإسلام»، وهو من أكبر الفصائل في الجنوب، غير مستعد لأن يقبل بـ «داعش» وإن بدا أنهما يحاربان العدو نفسه، وهو ليس وحده في ذلك، فهناك ائتلاف من فصائل المعارضة في حلب هم الذين يستبسلون في وقف تقدم «داعش» نحو حواضر سورية الداخلية، وفي الوقت نفسه يحاربون النظام، ويتلقون في مقابل ذلك عشرات البراميل المتفجرة المحظورة دولياً من دون أن يتدخل العالم! باختصار، من يحارب «داعش» اليوم هي سواعد المعارضة المتوضئة وليس جيش بشار الأسد. لماذا ترى الرياض هذا ولا تراه موسكو وواشنطن؟ الحقيقة الثانية، أنه لو نجح الروس والأميركيون، ومعهم قوى إقليمية تنحو نحوهم، في تمرير نظرية «داعش أولاً» وقبلت بذلك السعودية وتركيا وقطر، فمن سيقاتل التنظيم على الأرض إن لم يقاتله السوريون، ويكمل مهمة قوات تحالف تقصف وتقتل من علو؟ فتكون النتائج مثل ما حصل الثلثاء الماضي عندما قصف التحالف موقع فصيل معارض لا علاقة له بـ «داعش» ولا حتى «النصرة»، فأوقع ضحايا وزاد في غضب السوريين، ما سيجعلهم يعزفون عن دعم تحالف كهذا، إن لم يزد ذلك من شعبية «داعش» وإشاعة التطرف بينهم. بالتأكيد لن يرسل الروس ولا الأميركيون رجالاً إلى المستنقع السوري، ولن يتطوع السعوديون أو الأردنيون لمهمة كهذه، وأستبعد أن يشارك حتى الجيش المصري المتحمس لفكرة «قوات عربية مشتركة» لمحاربة الإرهاب، والحريص على بقاء بشار، فمن الذي سيقاتل على الأرض السورية غير جيش بشار الأسد وحلفائه الإيرانيين و»حزب الله»؟ هل يمكن أن يعني ذلك أي شيء غير قمع الثورة السورية وترك الأسد وحلفائه الطائفيين يفتكون بالشعب السوري المعارض؟ إذاً سنعود مرة أخرى إلى أن القوة الوحيدة على الأرض التي ستقاتل «داعش» هي قوة وطنية سورية، قد تشمل حتى ما تبقى من الجيش السوري، كما اقترح الوزير عادل الجبير في موسكو، ولكن لن يحصل هذا إلا بعد سقوط بشار. ما من شك في أن «داعش» شيء قبيح، ويمثل خطراً على روسيا والسعودية معاً، كما قال لافروف الثلثاء الماضي، ولكن بشار الأسد لا يقل سوءاً! فالأرقام تقول إن ضحاياه من السوريين أضعاف أضعاف ضحايا «داعش»، هذا إذا كان ثمة دافع أخلاقي لكل هذا الحراك، ولكن لنأخذ بالافتراض الروسي وننشغل فقط بما يهدد العالم الخارجي، إن نظام الاسد الفاشل الذي لم يستطع حماية التراب السوري هو أحد أسباب انتشار «داعش»، وثمة فارق بين «ظهور» وانتشار. فكرة «داعش» السيئة ستبقى دوماً معنا مكبوتة، حتى يأتي نظام مستبد فاشل يفقد السيطرة على الوطن، فينتشر «داعش» مثل بكتيريا تفتك بجسد مريض منهك فقد أسباب المناعة «والممانعة أيضاً»، وان أهملت تنتقل عدواها وشرها إلى من جاورها. لذلك كله «الأسد أولاً». من صحيفة الحياة