2015-10-10 

أفلاطون ذلك الرجل الطيب

علي سالم

نجم النجوم في دنيا الفلسفة ومدير أول معهد للدراسات الأكاديمية في التاريخ. غير أن أهم صفاته هي أنه كان تلميذًا لسقراط، وهو الذي نقل لنا كل أفكاره وحوارياته. وأنا أعتقد أن أهم ما بقي منه في عقول الناس بوجه عام هو «الحب الأفلاطوني»، وهو ذلك الحب العذري الذي يتحدى طبائع البشر في رومانسية عاجزة عن الاعتراف بالواقع. إنه الحب الذي لا يستحق أن يكون حبًا. كل الأفكار الشمولية التي مرت على الكرة الأرضية من شيوعية إلى قومية وأممية فيها الكثير من أفكار أفلاطون الرومانسية التي تعاملت مع البشر بوصفهم ملائكة تركوا أجنحتهم في مكان ما. وعلى الرغم من أن فلسفته كانت تتركز على إدراك الجوهر في الأشياء، فقد وقع في ذلك الفخ الشهير الذي يقول إن معرفة الإنسان بالخير تمنعه من ارتكاب الشر لأنه «ليس أحد شريرًا بإرادته». من الواضح أن نوايا هذا الرجل الطيبة أخفت عنه طبائع البشر. ولذلك وصل إلى وصفة سياسية للجمهورية تضمن للشعب السعادة وتضمن للدولة القوة. ولقد استدعاه حاكم سيراكوزا وكلفه بإنشاء هذه الجمهورية ففشل، وأتاح له حاكم آخر أن يكرر المحاولة ففشل. كانت فكرته تستند إلى أن الدولة تشبه تمام الشبه جسم الإنسان. الرأس هو مكان العقل والحكمة، هؤلاء هم الحكام.. الصدر هو مكان القوى الغضبية، أي القوات المسلحة والشرطة.. أما تحت الحزام فتمثل القوى الشهوية من تجار وصناع وما إلى ذلك. نأتي للحكام، فيجب ألا ينشغلوا بشيء، لا زوجة ولا أطفال ولا ممتلكات، سينشغلون بإدارة الحكم فقط. هناك زوجات لكل الحكام، لا يوجد تخصيص ولا محاصصة، والأطفال هم أطفالهم جميعا. لم تنجح التجربة بالطبع، وهنا يقول العبقري أرسطو: «إذا كان كل الناس آباءك فلا أب لك.. إذا كان كل الناس أعمامك فلا عم لك». لماذا لجأ أفلاطون لهذا النوع الخرافي من التجديد؟ أنا أعتقد أنه عندما حكمت أثينا على سقراط بالموت بتهمة إفساد الأجيال الجديدة وازدراء الآلهة (التهمة ما زالت موجودة ولكن ليس في أثينا، بل في بلاد أخرى مع تعديل بسيط، إذ تحولت إلى ازدراء الأديان) صدر الحكم ديمقراطيًا، أي بتصويت الشعب. أعتقد أن هذا الحكم كان له تأثير مروع على عقل أفلاطون، ودفعه للكفر بكل أشكال الحكم خاصة الديمقراطية التي كانت مثار فخر اليونانيين. لا بد أن حالة اكتئاب حادة استولت عليه وجعلته يقول إن «الدولة الديمقراطية تنفلت فيها الغرائز وتسود ديكتاتورية العوام». لقد بدأ الرجل بالرغبة في اكتشاف الجوهر في كل حقيقة واقعية. وانتهى به الأمر إلى الإغراق في الخيال. والخيال أمر مهم للغاية في السياسة بشرط أن يكون نابعًا من واقع لا ينفصل عنه. بل إن الواقع هو نفسه الذي يحدد الممرات الجوية التي سيحلق فيها الخيال، لذلك ستجد رجل السياسة المحروم من الخيال السياسي محرومًا في الأصل من القدرة على إدراك الواقع. لعلك تتساءل: لماذا أحدثك عن الفلسفة؟.. ولا حاجة! أصل الدنيا حر قوي في مصر، فقلت أكتب حاجة باردة.

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه