يعمل الفرد على تطوير نفسه معنوياً ونفسياً وروحياً، لكنه يتفاجأ بأن لا شيء يتغير، وكأن الحياة توقفت في وجهه. بعضهم يعمل على تطوير ذاته، يكتسب العديد من المهارات، ويحضر الدورات الكثيرة الطويلة والقصيرة هنا وهناك، لكن لا شيء يتغير، هنا لابد من أن يقف هذا الفرد قليلاً ويتأمل ذاته من جديد، ويسأل: لماذا فشل؟ ولماذا يقف في منتصف الطريق؟ وهذا يعني أنه فعلاً لم يصل إلى أعماق ذاته بموضوعية وتجرد تام، فيصبح كل ما يقوم به فراغاً خالياً من الهدف والمعنى الذي يرغب فيه. هناك مفاهيم واعتقادات راسخة في عقلية ونفسية الفرد، اكتسبها منذ نشأته، تطورت فيه ومن خلاله، بعضها صحيحة وبعضها مغلوطة، مجرد إرث اكتسبه بشكل تلقائي منذ نعومة أظافره، الخلل عندما تكون هذه المفاهيم والاعتقادات مغلوطة ولا يدرك ذلك. كتنشئة اجتماعية فيها من الإقصاء النفسي والمعنوي ولم يحظَ بالتقدير أو الاهتمام أو الاحتواء، خلق بداخله شعور الظلم أو الاضطهاد، وهو ما انعكس عليه في الكبر، سبب له النظرة الدونية والمتشائمة بأنه لا يستطيع أن يعمل أو ينجز بشكل جيد، هنا مهما أخذ الفرد من دورات ومهارات، يظل أمامه عائق في إتمام خطواته أو مشاريعه، إذ يخاطب نفسه ويحادثها دائماً بحديث سلبي ومحبط، كأن يقول: «إنني لا أستطيع أن أكمل هذا المشروع»، إذ يضع الحيل الدفاعية من دون أن يدرك، فيُسقط هذا الحديث السلبي على الظروف إن كانت موجودة أو على الآخرين، والحقيقة ليست كما يشاهدها، بل المفاهيم والاعتقاد الداخلي لديه أنه فعلاً لا يستطيع أن يعمل أو ينهي مشروعه مهما اختلفت الأسباب، يبقى الأخطر هو تعمق وتأصل هذه الفكرة بداخله، وهذا ما يجعله ضعيفاً ومهزوزاً من الداخل ولا يمتلك قوة الإرادة والعزيمة في مواجهة أي ظرف في عمله. ما يعيب أن بعض الأفراد لا يريد أن يبحث أو يجتهد في مكونات نفسه، فسهل عليه أن يلوم كل شيء، الظروف، الإمكانات، الناس، وهكذا، والحقيقة مختلفة تماماً. الوعي والنضج، حينما يكتشفهما الفرد المجتهد الذي لا يغفل عن البحث في مكنونات نفسه، يبدأ بنقاط ضعفه، يبحث عنها، ويتعرف عليها من أين أتت، أمن تنشئة اجتماعية خاطئة أم موقف مؤلم أم غير ذلك، المهم أن يستمر من اكتشاف إلى اكتشاف في بواطن نفسه، حتى يواجه كل سلبية في داخله، هذه الطريقة تساعد وتلغي المقاومة الداخلية لأي إحباط أو يأس أو خذلان من النفس. عندما يسقط الفرد الواعي يحاول مرة بعد مرة النهوض، لكنه هنا يدرك أين الخلل، فيبدأ من جديد وهو مسلح بأدوات المعرفة والخبرة والتجربة، والأهم من ذلك هو القدوة على مواجهة النفس والمفاهيم المغلوطة الداخلية. بعضهم يشعر بالألم الداخلي في تعامله مع الآخرين، يشعر بالقهر أو بالظلم أو قلة الاحترام، وعندما يبدأ كما قلت في مواجهة نفسه أولاً قبل الآخرين، من هنا يستطيع أن يعرف لماذا حقوقه مهضومة ولماذا الآخرون يتعاملون معه بقسوة. عندما يحب ذاته ويتصالح معها أي يعرف نقاط ضعفه وينميها ويقويها ويطورها، والأهم أن يحترم ذاته ويقدرها، حينها سيعرف أن احترام الآخرين له يبدأ من احترامه هو أولاً لذاته. هنا يبدأ كل شيء خارجي يتغير، العيب ليس فقط في الآخرين، العيب أحياناً في استيعاب ومعرفة القيمة الحقيقة بداخلنا من مواهب وقدرات زودنا بها الله -عز وجل-، حينما نحترم الداخل يبدأ تلقائياً الخارج يحترمنا. إذاً، القاعدة الأساسية تعرف على الداخل، ماذا يوجد بها، ولماذا، ومن أين أتى، ثم تخلص من السلبيات بعد مواجهتها وتفتيتها نهائياً، وبعد ذلك نبدأ بعمل التأكيدات الإيجابية، وهي عبارات إيجابية وجميلة ومسالمة ومحفزة بصيغة أنها حدثت فعلاً، نكررها صباح مساء؛ لكي تختزن في العقل الباطن، وتبدأ البرمجة الجديدة في العمل، وتصبح مع الوقت فعلاً حقيقياً، تؤثر في النفس والمشاعر ثم تصبح سلوكاً يومياً، وعادة جديدة تُبنى شيئاً فشيئاً. التأكيدات أو العبارات الإيجابية لكي تعمل لابد -كما قلنا في البداية- من أن نبدأ بالتعرف على المفاهيم أو طريقة تفكيرنا وما تحويه دواخلنا ثم التصحيح والتخلص من الشوائب، وبعد ذلك نؤكد أهمية العبارات الإيجابية التي يبدأ مفعولها بقوة، وتبدأ المواقف والأحداث تتغير؛ لأن الداخل تغير وتطور. ومن هذه العبارات: (أنا أستطيع أن أنجز بحب وتلقائية)، (أحب ذاتي وأحب من حولي)، (الحياة جميلة أستطيع أن أعيش بسلام وحب). من جريدة الحياة