2015-10-10 

سفن العرب

سمير عطاالله

من السهل (جدًا) تفهم وضع وقضية الدكتور نوري المالكي. رجل دولة، لامع السيرة، حسن النيات، عالي الكفاءات، أراد أن يحقق لنفسه ولبلده حلم العمر. وعندما تكون رجل دولة من الطراز الأول، أو النادر، لا يكون لك سوى حلم واحد: إقامة دولة القانون. أدرك السيد الدكتور أن الحلم ليس سهلاً، فطلب معونة أهم رجال الدولة في العالم: رئيس الولايات المتحدة الأميركية. ولهذا الغرض اجتمع بالسيد الرئيس باراك أوباما مرتين في البيت الأبيض. نفسه؟ أجل نفسه. لكن ما العمل إذا كانت عادات الرياح سيئة ورذيلة، تذهب دائمًا عكس ما تشتهي السفن؟ بعد عقد من دولة القانون ودورة الرياح قال البرلمان العراقي لأهل الرافدين إن نتائج الكد الذي بذلته «دولة القانون» بقيادة السيد الدكتور كانت هدر تريليون دولار، وخسارة مدينة الموصل التي أدّى فقدانها إلى قيام دولة «داعش»، من سهوب العراق إلى سهول سوريا. كيف عالج السيد الدكتور هاتين الكارثتين؟ ركب الطائرة وسافر إلى إيران. هل إيران مستعدة لحماية رجل تتهمه دولته بهدر تريليون دولار وإضاعة الموصل؟ بدل أن يرد السيد الدكتور على التهم الموجَّهة إليه من دولته، نزل من الطائرة وراح يتَّهم السعودية بأنها وراء شرور العالم، من 350 ألف قتيل و10 ملايين مشرد في سوريا، إلى مواجهة زحف الحوثي من صعدة على باب المندب. دعوني أقل لكم أين الفظاعة الكبرى في كل ذلك. ليست في هدر تريليون دولار من رغيف (أو أرز أو تُمَّن) العراقيين، ولا في إضاعة عاصمة الشمال لدولة «داعش»، وإنما في البلاد التي واجه فيها الرأي العام العربي كارثتين، أو فضيحتين تاريخيَّتين في مثل هذا الحجم. مدارس الأونروا مغلقة لحاجتها إلى 23 مليون دولار (دفعتها السعودية)، وملايين العرب يعيشون تحت خط الفقر، وبغداد بلا ماء أو كهرباء في صيفها المعروف، ونحن ننظر إلى تريليون دولار على أنها تفصيل عرضي، مع أنها ثلث مديونية أميركا. سألت مرة الشيخ خليفة بن زايد عن حجم صندوق الاستثمار الإماراتي وقلت إنه نحو تريليون. ورد بكل أدبه: «بل 800 مليار». قلت بكل خفتي: «أي تقريبًا تريليون». عاد يصحح بكل أدبه: «فارق 200 مليار ليس رقمًا بسيطًا. هذه أموال شعبنا». أدار رئيس «دولة القانون» ظهره لبلده وشعبه وحكومته وبرلمانه ومضى إلى إيران، لكي يشرح للعالم ما أسباب تردّي هذه الأمّة. لم يعر التفاصيل البسيطة أي اهتمام. كمثل تسليم الموصل إلى «داعش». كمثل تغطية القانون لأضخم عملية فساد في التاريخ. يتمنى أهل الموصل لو كانوا حاضرين لكي يصفقوا له. وأهل بغداد ليهتفوا للسيد الدكتور: بالروح.. من صحيفةالشرق الأوسط

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه