منذ انطلاق «عاصفة الحزم» في اليمن وتشكيل التحالف العربي بقيادة المملكة، ظهرت بوادر انكسار المشروع الإيراني في اليمن، ثم بدأت عملية «إعادة الأمل» و«السهم الذهبي»؛ ليبرز تصميم قيادة التحالف العربي على إنهاء كل أشكال الوجود الإيراني في اليمن؛ ليكون منطلقاً إلى صحوة وإستراتيجية عربية جديدة بقيادة المملكة؛ لمواجهة التغلغل الإيراني في المنطقة العربية بالأشكال والسبل كافة. ففي اليمن نجحت إستراتيجية التحالف العربي في «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» و«السهم الذهبي»، فحافظت على شرعية الحكومة اليمنية من خلال احتضانها في السعودية، وتحصينها بقرارات أممية وعربية، ثم البدء بالعمل العسكري المخطط والمرسوم؛ لتحقيق كل الأهداف والمطالب التي قام عليها التحالف العربي المدعوم دولياً. فعسكرياً وضعت قيادة التحالف خطة عسكرية تقوم على أربعة مرتكزات هي: أولاً: القصف الجوي لمستودعات وتحركات جماعة الحوثي ومليشيا صالح، ثانياً: الحصار البحري والجوي الكامل لمنع وصول أي إمدادات لهم، ثالثاً: تدريب ودعم الجيش الوطني ولجان المقاومة الشعبية ومدها بالسلاح، وأخيراً: تسيير المساعدات الإنسانية للمناطق المحررة ولضحايا مليشيا الحوثي وصالح. ولذلك بدأت هذه المرتكزات التي قامت عليها خطة التحالف تؤتي ثمارها، إذ بدأت مليشيا الحوثي تتقهقر وتنسحب وتستسلم للقوات الموالية للرئيس هادي، مخلفة عشرات الضحايا منها، وزادت وتيرة التقهقر بعد تحرير ميناء عدن. إن خطة الالتفاف التي اتبعتها قوات التحالف العربي، على قوات الحوثي وعلي عبدالله صالح من الجنوب والتوجه شمالاً، مع التركيز على حماية الضفة الشرقية لباب المندب من خلال السيطرة على ميناء المخا الذي يبعد عن تعز 120 كم، المدينة التي أصبحت 90 في المئة منها تحت سيطرة القوات الموالية للشرعية حتى كتابة هذه المقالة، ولاسيما بعد السيطرة على مقر المحافظة والقصر الجمهوري والمقار الأمنية الأخرى، والتي أصبحت في حكم الساقطة عسكرياً، لذلك يبدو أن إستراتيجية التحالف العربي لم تكن في بال قادة الحوثي ومليشيا صالح، فكان توقعهم أن تأتي قوات الشرعية مدعومة من التحالف العربي عبر الحدود السعودية في البداية، فجاءت المفاجأة أن تم إنزال هذه القوات في عدن وتحريرها، ومن ثم الانطلاق إلى المحافظات الأخرى شمالاً وشرقاً وغرباً، حتى الوصول إلى تعز ومن ثم الوصول إلى صنعاء وتحريرها، وهو ما يدحض افتراءات الحوثي وصالح بأن هدف التحالف هو تقسيم اليمن فقط، لذلك فمن الواضح أن قوات التحالف لن توقف دعم الشعب اليمني حتى تطهير صنعاء من مليشيا الحوثي وصالح وعودة الاستقرار والأمن إلى اليمن السعيد، والقضاء على التغلغل الإيراني وعودة اليمن إلى المنظومة العربية عضواً فاعلاً ومتفاعلاً. لا شك في أن الحوثيين هم مكون من مكونات الشعب اليمني، وهو ما أكدته قيادة التحالف العربي منذ بداية عملها العسكري، لكن من غير المقبول أن ترتبط هذه الجماعة بإيران وتصبح أداةً لزعزعة استقرار اليمن، ومن ثم زعزعة استقرار المنطقة العربية، لذلك ليس من المنطق أن تختطف هذه الجماعة الشعب اليمني وتربطه بالسياسة الإيرانية القائمة على التغلغل في الجسد العربي، ومن ثم تمزيقه من خلال إحياء الطائفية والعنصرية، واستغلالها للأوضاع السياسية المضطربة في دعم بعض القيادات في المنطقة وليس الشعوب، وهذا ما دعا المملكة إلى الوقوف بحزم في وجه المشروع الإيراني في اليمن، فخسارة إيران في اليمن سيكون لها انعكاس على الملفات الأخرى في العراق وسورية ولبنان، سياسياً وعسكرياً، فمن الممكن أن تقف الشعوب في العراق وسورية ولبنان في وجه النفوذ الإيراني من دون تدخل عسكري عربي، وهو ما بدأت تظهر بعض المؤشرات في العراق، فالمظاهرات التي تجري فيه أجبرت حكومة العبادي على القيام ببعض الإجراءات لمكافحة الفساد، على رغم أن المحللين يعتقدون بأنها ستكون شكلية، لكن إعفاء المالكي من منصبه، وقرار لجنة البرلمان بشأنه وهروبه إلى إيران هي مؤشرات مشجعة جداً، أعتقد بأنه ملامح انكسار المشروع الإيراني في اليمن، والذي سنرى انعكاساته على المناطق الأخرى قريباً. إن المعركة العسكرية والحسم العسكري في اليمن أمر شبه محسوم، فجماعة الحوثي ومليشيا علي عبدالله صالح ليس لها أي خيار إلا الانصياع إلى مطالب التحالف العربي أولاً، وللقرارات الدولية ثانياً والانسحاب من المدن وتسليم أسلحتها للدولة والعودة إلى الحوار من خلال الحكومة الشرعية الممثلة في الرئيس عبدربه منصور هادي، إضافة إلى الجرائم التي ارتكبوها في حق الشعب اليمني؛ فقد دمروا اليمن، وأثاروا الفتنة بين أبناء شعبه، وهاتان أكبر جريمتين ارتكبتها قيادات الحوثي ومليشيا المخلوع صالح، وستواجه محاكمة الشعب اليمني لها في تلك الجرائم المدعوم عربياً ودولياً. لقد تبعثر المشروع الإيراني في اليمن وستكون له انعكاسات كبيرة جداً على بقية مشاريعها في المنطقة، لذلك لا بد من مراقبة مواقفها، فمن الممكن أن تعد لمواجهة مباشرة مع السعودية، تحاول من خلالها إنقاذ ما يمكن إنقاذه من مشروعها في المنطقة، وإذا قامت بالمواجهة فهو انتحار لها، لذلك من الممكن أن تقوم ببعض التدخلات هنا وهناك، فاعتقال خلية حزب الله في الكويت هو مؤشر، من هنا يرى العديد من المحللين أن من يعرف السياسة الإيرانية لا يتوقع أن تقوم بخطوة المواجهة المباشرة، ولاسيما في هذا الوقت، ولذلك ستضحِّي ببعض دمائها في المنطقة هنا وهناك، وأولهم عبدالملك الحوثي وثانيهم نوري المالكي، وسيتبعهم آخرون عاجلاً أم آجلاً، فإيران ما يهمها هو مصلحتها وليس مصلحة هؤلاء الأشخاص الذين ربطوا مصيرهم بها، فهي تحركهم متى تشاء وتتخلص منهم وقت ما تشاء، فخلية حزب الله في الكويت هي مؤشر لتحريك إيران لعملائها في المنطقة، وسنرى بعض التدخلات أو التصعيد الإيراني في أماكن أخرى، لكن أعتقد بأن قيادة التحالف العربي تتابع وتجمع المعلومات ولن تسمح لإيران بعمل أي شيء يعوق أو يوقف إعادة الأوضاع في اليمن إلى طبيعتها، واجتثاث النفوذ الإيراني منه وتحقيق أهداف وتطلعات الشعب اليمني في العيش بسلام عربياً مستقراً آمناً. «عاصفة الحزم» و«إعادة الأمل» و«السهم الذهبي» لن تنساها الذاكرة العربية، كأسماء أعادت الأمل للأمة العربية في وقت كان اليأس بدأ يسيطر على كل إنسان عربي. صحيفة الحياة