رفع المرجع الشيعي الاعلى آية الله علي السيستاني سقف مطالبته بالاصلاح والتحذير من خطر يهدد بـ "تقسيم" البلاد، على خلفية سوء أداء السياسيين العراقيين واستشراء الفساد الذي حرك تظاهرات شعبية حاشدة. ووفقا للفرنسية قال السيستاني : كانت المرجعية تأمل ان تقوم الطبقة السياسية التي وصلت إلى السلطة عبر صناديق الانتخاب بإدارة البلد بصورة صحيحة، ولا تحدث مشاكل كبيرة بحيث تضطر المرجعية إلى التدخل. يضيف "ولكن - للاسف الشديد - جرت الأمور بغير ذلك، وقد تسبب سوء الإدارة - بالإضافة إلى عوامل داخلية وخارجية آخرى - في الوصول بالبلد إلى هذه الأوضاع المزرية التي تنذر بخطر جسيم. ويوضح أنه بعدما نفذ صبر كثير من العراقيين واحتجوا على سوء اوضاع البلاد، وجدت المرجعية ان الوقت مؤات للدفع قويا بهذا الاتجاه، وشددت على ضرورة الاسراع في الخطوات الاصلاحية وتحقيق العدالة الاجتماعية. وبعد انطلاق التظاهرات للمطالبة بمكافحة الفساد وتحسين الخدمات وسط درجات حرارة فاقت الخمسين، دعا السيستاني العبادي في 7 اغسطس على ان يكون اكثر جرأة ضد الفساد. وسارعت الحكومة بعد يومين الى اقتراح اجراءات اقرها البرلمان وارفقها باقتراحات اضافية. وبحسب فرانس برس كرر السيستاني بعد ذلك المطالبة باصلاحات، لا سيما في القضاء. وحمل السيستاني المسؤولين الذين حكموا البلاد منذ سقوط النظام الاسبق عام 2003، مسؤولية الاوضاع لانهم "لم يراعوا المصالح العامة للشعب العراقي، بل اهتموا بمصالحهم الشخصية والفئوية والطائفية والعرقية". وفي دلالة على خطر الفساد على مستقبل العراق، حذر المرجع من تقسيم البلاد بغياب إصلاح حقيقي، مؤكدا ان الفساد ساهم في سقوط مناطق من البلاد بيد تنظيم داعش في يونيو 2014. وتشكل مواقف السيستاني والمطالب الشعبية، غطاء لرئيس الوزراء حيدر العبادي للمضي في الاصلاح في مواجهة خصومه، الا انها قد لا تكفي لتخطي تعقيدات المشهد السياسي العراقي والطبيعة المتجذرة للفساد. ونادرا ما يعلن السيستاني مواقف سياسية مباشرة، الا ان نداءاته تلقى صدى لدى ملايين العراقيين. ومن ابرز هذه المواقف، فتوى الجهاد الكفائي بعد هجوم تنظيم الدولة الاسلامية، والتي تجاوب معها عشرات الآلاف من العراقيين الذين حملوا السلاح وانضموا للقتال ضد الجهاديين. ويرى الباحث في معهد "شاتام هاوس" حيدر الخوئي ان "السيستاني لا يحب الانخراط في السياسة لانه يؤمن بان رجال الدين يجب ان يلتزموا بتوفير التوجيه والقيادة الروحية، الا انه يتدخل بتردد عندما يتعلق الامر بقضايا استراتيجية كبرى فقط". يضيف "يشعر بان لديه واجب التحرك لاعادة العراق من شفير الهاوية". ويعتبر استاذ العلوم السياسية في جامعة بغداد احسان الشمري ان الاوضاع المأسوية الاخيرة دفعت السيستاني للتدخل بشكل مباشر، بعدما ادرك ان القوى السياسية لا تستطيع ان تنتج مخارج او حتى حلولا لطبيعة الازمات السياسية المتراكمة، واخفقت في تقديم الخدمات بشكل كبير. ويرى فنار حداد، الباحث في معهد الشرق الاوسط بالجامعة الوطنية في سنغافورة، ان "تغيير ثقافة فساد متجذرة الى هذا الحد كما الحال في العراق، ليس فقط خطوة طموحة، بل مسار طويل المدى". يضيف "يمكننا ان نتوقع رؤية خطوات رمزية اضافية، لكن الرهان ليس لصالح حصول اي تغيير جذري في المدى القصير". ويعتبر الخوئي ان من اكبر العقبات التي ستواجه اي "تغيير كبير"، ستكون من الاحزاب، "ومنها حزب الدعوة الذي ينتمي اليه رئيس الوزراء، التي كانت المستفيد الاكبر من الفساد الممنهج الذي ابتلت به البلاد واضاف ان "التغيير الحقيقي سيعتمد على مدى قوة العبادي في الدفع باتجاهه على حساب خصومه، شركائه، وحزبه السياسي".