يجتمع مساء اليوم في شرم الشيخ وزراء الخارجية والدفاع العرب في جلسة ستشهد إقرار البروتوكول الخاص بإنشاء القوة العربية المشتركة، ولن نذهب إلى أبعد من مفردة الإنشاء لأننا سنحتفي بها قليلاً، وليأخذنا الفرح المؤقت لمرة واحدة من أجل كلمات أشبه بالحلم، كانت بالهذر الكلامي المجاني، سمعنا عنها كثيراً، قرأناها على طاولات الأماني الكبار رغم أن الأماني العربية الصغيرة لا تزال عرجاء والأصدق عمياء، لا يهم إن كانت الكلمة الأكثر تداولاً في مساء الاجتماع هي «إنشاء» أم «إقرار» أم «ولادة»، فما سيضعنا على المحك في أجندات العمل وتوحيد الرؤى والاستراتيجيات وملامح المستقبل هو ما سيأتي بعد هذه الكلمات وعبارة التاريخ الذي يجب أن نصنعه بأيدينا لا أن يصنع لنا كريهاً مملاً ممزقاً ومتنازعاً عليه، ما يهم بالضبط هي القوة العربية المشتركة ولوازمها الميدانية المالية الفردية الصادقة النقية. عادتنا كعرب أن نُحّمل البدايات المختلفة والجديدة وزر الخيبات ونطير بها لأفق بعيد، وهي عادة خلدتها المرارات والجراح والتفتيش الدائم عن فرح مشترك، هم مشترك، نوايا مشتركة قبل أن نتفق أخيراً على ما كان لزاماً أن نبدأ به «القوة العربية المشتركة»، يحدث لبداياتنا المتحمسة والمتفق عليها أن تذوب وتجف أحبارها التي كتبت بها لدرجة أن يصعب علينا فك عباراتها وجملها، ويحدث أن نتفق في المبادئ ونختلف في ما بعدها حتى وإن كنا لا نزال في بلد الاستضافة وقبل أن نغادر المدرج الذي أتى بنا، يحدث أيضاً أن نبدو في لحظات الاجتماع وإعلان التعاون بعيون متحدة حمراء لكن هذه الأعين لا تلبث أن تتلون وتتبدل لألوان المخاتلة والمراوغة والتراجع ولعنة المصالح، متناسين أن اللون الأحمر يزفه لنا أعداؤنا الظاهرون والمستترون على أطباق كريهة من الجريمة والوحشية والعنف والتدمير ونهب الثروات على اعتبار أن الإنسان العربي في أذهانهم «كثير الكلام، بطيء الأفعال، ممتلئ المعدة، مرتبك الضمير، سيد الشجب ورفيق الاستنكار». ما يبعث السعادة الحالية أن فكرة القوة العربية المشتركة لم تأخذ وقتاً طويلاً كعادة أفكارنا ورغباتنا السابقة والميتة لمجرد طرحها على طاولة نقاش، إنما ما يدفع للقلق أن نمارس عاداتنا ونتوقف عند ثرثرة توصيات جلسات الختام ونتشاكس على من يدفع أولاً؟ ومن ميعاد ومن يجند ويمرن أكثر؟ وما يشبهها من أسئلة مكسري المجاديف وهواة الهوامش ورُّضَاع الألغاز نيابة عن فكرة عامة لمصافحة التاريخ على عجل، وهذه المصافحة لكي تمضي بنا لحضن دافئ مغرٍّ ومشرف حتى تتحول لمشهد متكامل جبار وتكون في حيز الوجود، نحتاج لذات الوقت الذي مضت فيه الفكرة في خانات التقليب والترتيب والإنضاج، من مارس إلى أغسطس سعت الفكرة سريعاً لأن العرب ليسوا بخير في ديارهم، فالأنين العراقي الليبي اليمني السوري مستمر وطاعن للعقل العربي الأصيل والضمير الحي لا المبيوع أو المستورد، ما أخشاه أن نزف التباشير والأفراح بأن العرب قالوا كلمة مضيئة أخيراً ومضوا فيها دون توقف أو تلكؤ في العبارات وثقل في الخطى، ثم نعود بعد أشهر للمشاورات وتحديد المخاطر وتغليب التهدئة والاكتفاء بالمؤتمرات واللقاءات والجلسات الطارئة المبتدئة بـ«أيها الإخوة العرب، والمنتهية بـ«السلام عليكم ورحمة الله». من جريدة الحياة