في العنوان، كلمتان تختصران حال لبنان واللبنانيين نتيجة عجز الطبقة السياسية الحاكمة وفسادها وإفسادها. بات القاصي والداني على دراية بما يعاني منه اللبنانيون بفعل جشع لصوص السلطة وفجورهم وتماديهم، وانسداد أفق الحلول السياسية كمحصلة طبيعية للكمائن الطائفية المقيتة والمُتبادَلة، وارتباط المأزق اللبناني بالأزمات الإقليمية والدولية. سيقول قائل أن المشكلة ليست وليدة الساعة وأنها تراكمت على مرّ السنوات، وتفاقمت في العقدين الأخيرين بفعل المحاصصة الطائفية والوصاية الخارجية، وهذا صحيح، لكن كان «فِي أمل» (بالإذن من فيروز)، كان البلد خارجاً لتوّه من حرب أهلية مدمِّرة، والآمال أو الأوهام معقودة على مرحلة السلم الأهلي أو ما شبه لنا أنه سلم أهلي، كان ثمة حلم أو وهم وفق الزاوية التي ينظر منها كل منا الى المشهد، لكن الأفق سُدَّ كلياً بعد اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري، وما نجم عنه من انشطار عمودي في المجتمع اللبناني، فاقمه عجز الطبقة الحاكمة التي باتت تختلف حتى على جنس الملائكة. عشرٌ عجاف وأكثر، لكنها عشر (متّصلة بتركيبة طائفية تحمل بذور عجزها وفسادها منذ نشوء لبنان بصيغته الحالية وتحتاج، كمن لم يبلغ سن الرشد، وصاية خارجية دائمة) شهدت تحولات هائلة في العالم برمته وعلى المستويات كافة، سياسياً واقتصادياً وإعلامياً وتكنولوجياً، صارت المعلومات أكثر شيوعاً وانتشاراً، وبات التعبير عن الرأي متاحاً للجميع، ولم يعد في إمكان أي سلطة أو جهة مهما امتلكت من وسائل قمعٍ وقوة، أن تحجب الحقيقة عن الناس، خصوصاً جيل الشباب الأكثر تفاعلاً مع الميديا الحديثة والأكثر تطلعاً الى مستقبل أفضل والخلاص من نفايات العجز والفساد، وبالفعل لو تطلّعنا الى ساحتي رياض الصلح والشهداء وسط بيروت، لوجدنا أن الشباب هم الفئة الأكبر بين المتظاهرين ضد الفساد، المطالبين بمروحة واسعة من الأهداف تتنوّع بتنوّعهم، وتأخذ في بعض حالاتها أبعاداً طوباوية. لا يمكن امرءاً أياً كان موقعه أو موقفه من المأزق اللبناني المستدام، أن يرفض مشروعية مطالب الشباب وأحلامهم الجميلة، حتى لو ركب موجتها انتهازيون وأصحاب أجندات خارجية أو «سفاراتية». مطالبهم مطلب كل لبناني الى أي فئة انتمى، وأحلامهم أحلام كل إنسان أنّى كان. فجور الطبقة الحاكمة بتلاوينها المختلفة لم يعد يُطاق، لذا لا تشكيك في ضرورة الحراك لِلَجْم المتمادين وبداية وضع حدّ للفساد والهدر، لكن حبذا لو ينتبه المنظمون الى سارقي الحِراكات ولصوص الأحلام، سواء من اللاعبين المحليين أو الإقليميين والدوليين، ليبقى تحرّكهم محطّ إجماع أوسع واحتضان أكبر، وأن تكون لهم هيئة متابعة مُعلَنة واضحة، ومطالب محددة غير مبهمة أو مطاطة، وعلى رأسها انتخاب رئيس للجمهورية المعطّلة، وقانون انتخابات جديد يعتمد شكلاً من أشكال النسبية لفتح كوة في جدار النظام الطائفي السميك لكن الآيل الى السقوط آجلاً أو عاجلاً، وإيصال بعض الأصوات النيابية المستقلّة فعلاً ومن خارج الاصطفافات المذهبية والطائفية القاتلة. بلا قانون انتخابات جديد ونسبي، يغدو كل صراخ لأجل إسقاط النظام الطائفي بلا جدوى ولا صدى، فالطبقة الحاكمة أخبث من أن تسقطها تظاهرة مهما بلغت براءة السواد الأعظم من المشاركين فيها وصفت نياتهم. والحذر كل الحذر من المراهقة السياسية واللاهثين الى ركوب الموجة. أفضل ما في الحراك، وبعيداً من الذين يريدون توظيفه لخدمة أجنداتهم السياسية، أنه كسر حدة الانقسام الطائفي والمذهبي في الشارع، وأخرج كثراً من غيتواتهم الى ساحة جامعة، وفرض على وسائل الإعلام التقليدية (مهما كانت نيّاتها) إتاحة المجال لوجوه وأصوات من خارج المألوف الممجوج المستهلَك، ودفع أركان السلطة الى الجلوس الى طاولة حوار مجدداً، والأمل كلّه معقود على وعي الشباب فلا يصيب حراكهم ما أصاب الحراك لإسقاط النظام الطائفي قبل أربعة أعوام، فلا تحتويهم سلطة فاسدة مفسِدة ومفلسة، ولا توظّفهم أي جهة داخلية أو خارجية لخدمة مشاريعها وفوضاها غير الخلاقة، بل القاتلة المدمرة. أحلام الشباب تجدّد شباب لبنان، لكن متى طفح الكيل يكثر الكيّالون، حذار.