إحدى الرسائل التي يتبادلها السعوديون عن الإخوة السوريين تقول: «إن عـــدد اللاجئين إلى أوروبا 180 ألفاً، والسعودية وحدها منحت أكثر من مليون سوري حق الإقامة، وهناك أمر ملكي بدخول 100 ألف من أبنائهم للجامعات». الرسالة جديرة بالتوقف، وإن كانت الأرقام أكثر قليلاً أو أقل قليلاً فهي بالفعل تعطي مؤشراً للفارق، وتنقض التصريحات والتلميحات الأوروبية عن لجوء السوريين إليهم مــن دون غيرهم. بصفتي مواطناً تأملت قليلاً، واستعرضت معلوماتي الشخصية، فوجدتني فخوراً بالسعودية في ملف لجوء وإقامة المستضعفين في الأرض لديها، استرجعت طفولتي في الطائف، وتذكرت زميلاً في المدرسة من اليمن الجنوبي (آنذاك) كان يخبرنا أن عائلته تتسلَّم راتباً شهرياً من الحكومة، ومن قبلهم عايشنا أعراقاً وجنسيات مختلفة من جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق فروا من الاضطهاد إلى السعودية وهناك أحياء كاملة تعرف في معظم مدن الحجاز بأنها «حارة البخارية»، إذ درج الناس على تسميتهم كذلك. اليوم بين ظهرانينا الجيل الثالث من المقيمين الفلسطينيين، وربما الرابع من البخاريين، وقد يكون الثالث من البرماويين، وكل فئة منهم لا تقل عن نصف مليون نسمة، وحصلت نسبة منهم على الجنسية السعودية، إما بنظام المنح المعمول به قديماً، أو بالنظام وتطبيقه عليهم. قبل أشهر كان بإمكان الملك سلمان بن عبدالعزيز أن يأمر بإقامة مخيمات اللاجئين على الحدود اليمنية، لاستيعاب الفارين من هناك، وبدلاً من ذلك أمر بإصدار رخص إقامة لهم، وهاهم ينتشرون في كل المدن السعودية. أكثر من نصف مليون انضموا إلى أكثر من مليون قبلهم يعملون في البلاد، والجميع يعرف، بمن فيهم الأوروبيون، الفارق الكبير بين أن تقيم مخيماً للاجئين على الحدود، وبين أن تفتح البلاد ذراعيها وتمنحهم إقامات تعينهم على الحياة إلى أن يأتي النصر والفرج القريبان بإذن الله. حالياً، السكان في السعودية ثلثهم مقيمون من كل جنسيات الأرض، وجزء غير يسير منهم تم استثناؤهم من بعض الأنظمة، تقديراً لظروف بلدانهم التي طرأت أخيراً، أو العريقة القديمة المؤلمة بالنسبة إلى جنسيات أخرى، ولم تستعرض السعودية ذلك أمام العالم، وإن كنت أرى أنها اليوم ضمن «الحرب» الإعلامية يجب أن تنشر بعض الأرقام والحقائق. تصريحات الأوروبيين وأخبار اللاجئين السوريين ملأت الإعلام بكل أشكاله، فلا ضير اليوم أن نبتعد عن توجيه خطابنا لأنفسنا، ونخبر العالم بهذه الأرقام والحقائق، ونستعرض معهم تاريخنا الإنساني مع كثير من المضطهدين، ولن يكون ذلك من باب المنِّ والأذى الذي نخشاه في قرارة «ثقافتنا»، لكنه سيكون نوعاً من القوة وتقديم الأنموذج. مشكلة عدم وصول الصورة الحقيقية لما يحدث عندنا، أو لما نفعل للآخرين لا تزال قائمة، والإعلام الرسمي يعاني من «رسميته» إن صحت العبارة، وكبر هياكله وترهل أنظمته وتخوف أساطينه ومسؤوليه. يجب أن يذهب صوتنا إلى العمق الشعبي العالمي، وهذا يتطلب أن يكون أداؤنا الإعلامي مواكباً لأدائنا السياسي الذي نراه يحقق النجومية والنجاح بقيادة الملك سلمان