زيارة الملك سلمان إلى واشنطن، والتي كانت باعتقادي حدثاً استثنائياً من زعيم لدولة استثنائية في العالم، حظيت بأهمية وبآمال كبرى، لما يمثله الملك سلمان كقائد محنك مطلع لتاريخية وأهمية العلاقة السعودية الأميركية، ليس فقط للدولتين، بل للعالم أجمع، كما أكد على ذلك الملك سلمان في كلمته المشتركة مع الرئيس الأميركي باراك أوباما أمام وسائل الإعلام في البيت الأبيض. لقد ركز الملك سلمان في كلمته على قضايا عدة، ولكن ما لفت نظري هو قوله: «إن المنطقة تحتاج إلى الاستقرار»، وهذا يختصر الموقف السعودي مما تمر به المنطقة من أخطار تهدد شعوبها، فكلنا نعرف أن ما يسمى بالربيع العربي أصبح - وللأسف - أداة مدمرة للدول العربية، فنحن نشاهد كيف تحول استقرار تلك الدول إلى حروب طائفية وعرقية، على رغم ادعاءات البعض ومحاججتهم بأن الثورات تحتاج إلى فترات زمنية للنضوج كما حدث للثورة الفرنسية، ولكن ما نشهده في عالمنا العربي أن تلك الثورات دمرت منجزات التنمية في تلك الدول، وأصبح كل فريق سياسي يطمح للوصول إلى الحكم على أشلاء مواطني تلك الدول. هذا من ناحية، على الجانب الآخر وجدت حالة من الفراغ السياسي في العالم العربي، مما ولّد فوضى غير خلاقة، وأصبحت التنظيمات الإرهابية هي من تقود حالة التغيير، ولكن بأدوات دموية، وكلنا يعرف أن المنظمات الإرهابية تنمو وتزدهر في ظل فقدان الدولة المركزية، فمن يتصور مثلاً أن تنظيم داعش هو من سيجلب الحرية والديموقراطية إلى الشعوب العربية، فهكذا تنظيم يؤمن بالقتل والحرق والنحر هو نتيجة للربيع العربي، وأنا في هذا لا أدافع عن بعض الأنظمة العربية التي خرجت شعوبها ضدها في مظاهرات سلمية ولكن في ظل مجتمعات لا توجد بها أحزاب وطنية معارضة بالمعنى الفعلي، وجدت داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية الفرصة للقفز واختطاف حالة الغليان الشعبي في بعض العواصم العربية. الملك سلمان يبعث برسالة مهمة أن حالة عدم الاستقرار التي تعيشها منطقتنا على درجة من الخطورة، وفي حال عدم التصدي لها فستكون مدمرة، ونحن نعرف أن الظاهرة الإرهابية عابرة للحدود، لاسيما إذا كانت تلبس وتعتمر الرداء الديني، ويمكن من إشارة الملك سلمان وتأكيده على أهمية استقرار المنطقة بأن هناك دولاً إقليمية تستغل الحالة التي يمر بها العالم العربي، وأنا هنا أعني إيران، فهذه الدولة وقعت مع الغرب اتفاقاً نووياً قد يؤجل طموحاتها النووية لـ15 عاماً مقبلة، يتطلب منها سلوكاً سياسياً يتسم بالعقلانية وحسن الجوار، والسؤال المشروع لنا كعرب مجاورين لهذه الدولة هل ستغير إيران من سياستها العدائية تجاهنا؟ بعض الكتاب والمحللين الأميركيين يزعمون ذلك، ونحن نتمنى أن يكون زعمهم في مكانه، ولكن نقول إن الواقع هو غير ذلك، فكل صراع في عالمنا العربي تكون لإيران أيادٍ واضحة فيه، بعض الساسة الغربيين يعتقدون أنهم بهذا الاتفاق مع إيران سيحققون عدداً من الأهداف، أهمها وقف وتأجيل طموحات إيران النووية في الـ15 عاماً المقبلة، والأهم في رأيي أن إيران كدولة ونظام ستنفتح على العالم وبذلك تكون دولة أكثر اعتدالاً ونحن لا نختلف معهم بهذه التصورات، ولكن الزمن كفيل بذلك، على رغم أن السلوك الإيراني مستمر في تدخلاته الفاضحة في دولنا، وهذا ما يقلقنا وعبّر عنه الملك سلمان في تركيزه على أهمية الاستقرار، فهذه رسالة واضحة وصريحة من خادم الحرمين الشريفين للإدارة الأميركية تجاه ما يجري في المنطقة إذا كان الرئيس الأميركي بالفعل مهتماً بالازدهار والرفاهية لشعوب المنطقة، ولاسيما الشباب كما عبّر في كلمته.