أحدهم يطلق عليه داعية، يشاع اكتشافه لمجموعة من الأدوية لعلاج السرطان، والأيدز، والفايروس الكبدي، والسكر، وضعف عضلة القلب، وغيرها من الأمراض المستعصية على الأطباء وعلماء الطب، الذين أمضوا حياتهم في البحث والمختبرات العلمية، المشكلة بدأت في المرضى الذين يتعلقون بكل بادرة أمل في وجود علاج ناجع حتى لو كان وهماً ناتجاً عن الهرطقة من دون صدقيته العلمية والطبية، فبدأوا يشدون الرحال إليه، ويشترون العلاج منه بمبالغ ضخمة، والغريب أنه لم يسجل حالة شفاء واحدة من أدويته الخرافية، ولكن الوهم يصنع من الغباء تهيؤات لم تخطر على بال المدعين أنفسهم، وتضخيم شخصياتهم البارعة في صنع المستحيل، لاسيما إذا كانت هذه الشخصية من المتلبسين بعباءة الدين، تلك العباءة التي خرج من خلالها الدجالون، والمتنبئون، والمهرّجون، والمخربون، والمجرمون، والمحرضون، والإرهابيون، بفعل العقول «المدرعمة»، فصنعت منهم أصناماً بشرية للتقديس، والتدليس، فغدوا بأفعالهم المطلقة في الباطل، في صورة الحق المطلق الذي لا يأتيه الباطل، ولا يعتريه الكذب، منذ بدأ الناس يركضون خلف الماء المحلى ببصاق الشيخ فلان، والزيت المقري عليه بأنفاس الشيخ علاّن. وخلال الزحف على هؤلاء الدجالين، امتلأت جيوبهم، وخزائنهم بالأموال، حتى غدوا من الأثرياء الذين يشار إليهم بالبنان، باسم الطب الشعبي الديني، وما يخالطه من خزعبلات إبطال السحر، وما بينهما من شعوذة، وفسوق، وخداع. لكن بعض العامة من الناس يرون هذه الأمور بعين الرضا ويعتبرونها من الأمور المشروعة والمباحة، طالما الشيخ فوق مستوى الشبهات، ولكي ترى مستوى التعلق بهم فما عليك إلا أن تنتقد أحدهم حتى ينقضوا عليك، بسوء الأدب وبذاءة الألفاظ، فهم يعتقدون أن نقدهم تعدٍّ على الدين وهجوم عليه. وما عرفوا.. أو عرفوا، وتغاضوا أن هؤلاء يتاجرون بالدين على حساب عقولهم الضيقة، وعلى حساب آلامهم، ويأسهم الممزوج بالتطلع للخرافة الخرقاء وشرفة النجاة المفتوحة في خيالهم المريض، مع وعيهم التام بضعف بشريتهم التي لا تأتي بشيء سوى الوهم المباع لهم. «الشيخ» إياه، أو الداعية الجليل كما يطلقون عليه، هرب بنفسه تاركاً أتباعه يعانون وطأة الحرب، والجوع، ولجأ إلى أصحابه الذين هم على شاكلته من المنتمين المعروفين لحركة الإخوان، فأغدقوا عليه مما جنوه هم أيضاً من الجاه المكتسب بفضل تمشيخهم، من طِيب الإقامة، ورخاء العيش، وأحاطوه برعايتهم ودعاياتهم له، فاستغل أزمة وضع انتشار فايروس كورونا عندنا، فرأى أن لا بد أن تكون له تجربة هنا يخوضها ضد هذا المرض الذي عجزت مختبرات العلم، والبحث، والاكتشاف، عن التوصل إلى عقار يقضي عليه، وينقذ الناس من شراسته، فأعلن اكتشافه ذلك العقار، وبدأ يروّج له عن طريق أتباعه المريدين له، حتى قامت إحدى الصحف ربما من باب السخرية، بنقل خبر عن تواصل وزارة الصحة معه بشأن ذلك العقار، إلا أن وزارة الصحة نفت الخبر، ليظل السؤال الحائر يخالج الناس عن هدف الإعلان عنه الآن، مع أن هذا الفايروس منتشر منذ ما يقارب الأربع سنوات، ووقتها كان صاحبنا في أوج شهرته، في مهزلة اكتشاف الأدوية. ربما الإجابة واضحة تماماً وتكاد تنطق بالهدف الذي قد يخفى على كثير من ذوي العقول المهرولة خلف من يسمونهم برجال الدين، إذ رأوا أن الكثير من الناس أدركوا حقيقة خداعهم، فانفضوا من حولهم بعد أن تكشفت الكثير من الحقائق خلف تدينهم المزعوم، فأرادوا أن يعيدوا البريق لشخصياتهم، ونجوميتهم، من خلال خدعة جديدة تعيد الوضع إلى مدارهم بصفتهم منقذين للبشرية حتى من أمراضها المستعصية، وتباً للعلم والبحث والعلوم التطبيقية التي يهاجمونها لهذا الغرض. صحيفة الحياة