2015-10-10 

ماكياج «الهيئة»

محمد اليامي

تقول الطرفة الساخرة في السعودية إن المقبلين على الزواج يطلبون من أمهاتهم البحث عن زوجة في مناسبات العزاء، لأن الاختيار في مناسبات الأفراح ثبت أنه مليء بالغش التجاري! والقصد الإشارة إلى مساحيق التجميل أو الماكياج، ومن اخترع الطرفة ونشرها لا يعلم أن للعزاء أيضاً ماكياجاً خاصاً، فلا مفر من الغش. سأغض النظر -موقتاً- عن المعنى العميق الذي تبادر لأذهانكم عن طريقة اختيار شريكة الحياة في السعودية، وسأتحدث عن هيئة الغذاء والدواء السعودية التي باتت مسؤولة أيضاً عن أدوات التجميل إضافة إلى مهماتها، وأهمها سلامة الغذاء و «ضمان سلامة ومأمونية وجودة وفعالية» الدواء والأجهزة الطبية، وأحسبها بعد انتهاء مشروعها الضخم للإدراج الإلكتروني لكل أدوات التجميل المحلية والمستوردة نهاية العام المقبل ستضمن لنا سلامة الماكياج ومأمونية استخدامه، أما «الفعالية» فهي مسؤولية أطراف أخرى. الهيئة لا تحب مساحيق التجميل، وتفضل الجمال الطبيعي والواضح، وهي -كما يمكنك الاكتشاف بسهولة من قراءة التقرير السنوي- تتميز بشفافية عالية، فلأول مرة أشاهد جهة حكومية تفصح في تقريرها السنوي عن الوظائف الشاغرة لديها وفي مختلف القطاعات بأرقام مفصلة، بينما جرت العادة أن يحفظ ذلك في درج ما في مكتب ما في بعض الجهات. هذا المؤشر الصغير في تقرير مليء وضخم بالمنجزات الحساسة التي تمس صحة الناس وحياتهم لافت في العالم العربي، إضافة إلى إفصاح آخر مهم هو حالة المباني لديهم التي يبدو أنها جميعاً مستأجرة كما كتب أمام كل منها، وستحرج الهيئة جهات كثيرة لو كتبت أمام كل مبنى ثمن الإيجار واسم المالك! الهيئة تقول إن 70 في المئة من الغذاء في السعودية يتم استيراده من الخارج، وهذا مرعب ويعني أن نسبة اكتفائنا الذاتي 30 في المئة فقط، وهو أيضاً مؤشر على حساسية وعظم مسؤولية هذه الهيئة التي يبدو أنها بحاجة إلى اهتمام مالي أكثر، فدخلها يذهب للخزانة العامة، وأحسب أن جزءاً منه تجب إعادة استثماره فيها، لأنها صمام أمان صحي واجتماعي وأمني، خصوصاً إذا عرفنا أن الخصوم والأعداء لا يشهرون السلاح دائماً، لكن تمكنهم الحرب بطرق كثيرة من بينها الغذاء والدواء، والنظريات في ذلك كثيرة. السعوديون مطمئنون أن مراقبي الهيئة يتمتعون بأجور جيدة ويصعب اختراق ذممهم، والعاملون فيها في المختبرات ذهب جلهم للدول المتقدمة للدراسة والتدريب، وما يحدث فيها اليوم قصة نجاح تحتاج إلى دعم الناس الذين تحتاج الهيئة إلى المزيد من التوعية لهم، لكن أجنحتها المالية مقصوصة إلى حد كبير على رغم أنها جزء من منظومة الأمن الوطني. السوق السعودية من أكبر الأسواق تعرضاً للغش، وإذا وصل الغش أو الفساد إلى الطعام والدواء والجهاز الطبي فآثار ذلك وخيمة، لذا يجب أن تظل هذه الهيئة من معاقل النزاهة والصرامة، ويجب أن نساعدها بالمبادرة والإبلاغ، والأهم الاستماع إلى تحذيراتها، لأن المضحك المبكي أن البعض يفاخر أنه اشترى منتجاً في السر لأن الهيئة تحظره في العلن. صحيفة الحياة

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه