فلنغتنم حاضرنا ونعيش لحظتنا

يمتلئ العقل بالكثير من الأفكار التي لا تنتهي وإن انتهت تبدأ سلسلة أخرى. يضيع معظم الوقت في متاهات الأفكار، فلا أنجزنا ولا هدأنا. من الضروري أن نطهر عقولنا بين الحين والحين من لوثة هذه الأفكار. في عقولنا البشرية تكثر الأفكار الجيدة في خلق فرص جديدة في الحياة على الصعيد العملي والمهني أو الشخصي أو الاجتماعي، نعم الإنسان عبارة عن وعاء مليء من الأفكار وقبلها عملية التفكير التي تضخ في اليوم الآلاف من هذه الأفكار، تساعدنا في النمو والتطور والتغيير، لكن تزاحمها بصورة مستمرة يؤدي إلى إرهاقنا بضجيج لا ينتهي دون وعي ودون حضور، تجعل الفرد فينا يسبح في بحورها السالبة والموجبة من دون تمييز، مما يشعرنا بعد ذلك بالإرهاق والعجز، وكأننا قطعنا ألف ميل. الجيد أن نعيد صياغة تلك الأفكار من بدايتها، متى تأتي! ولماذا تأتي! وما الهدف منها؟ الوعي هو مفتاح لكل شيء، من ضمنها معرفة جوهر هذه الأفكار من خلال تلك الأسئلة، هذا يساعدنا أن لا ندخل في دوامة المقاومة، لأننا كما نعرف عندما نمنع فكرة بإجبار تلد فكرة أخرى وهذه إحدى حيل العقل، ودور الأنا في محاولة فرض نفسها من خلال تلك الأفكار. مهم جداً أن نعطي أنفسنا مساحة من الهدوء والتأمل لكي نصل إلى قاعة مليئة ومزدحمة من أفكارنا، نجعلها في البداية تظهر على السطح لا نعلق ولا نحلل فقط نجعلها تظهر، لا نجعلها مخفية في سجن العقل الباطن، بل نجعلها تركض للخارج، هنا استطعنا تنظيف الداخل من هذه الأفكار بهدوء وتأمل من دون تدخل منا، سنجد دوائر من أفكارنا تظهر، قديم وجديد، حزين ومفرح، لنجعلها تخرج بسلام لتذهب حيثما تشاء، نعيد هذا التأمل أو التمرين مرات عدة في الأسبوع، سنشعر بعدها براحة وخفة في داخلنا، كأنه حجر ثقيل وانزاح، بعد ذلك ندخل في مرحلة الوعي الكامل والإرادة بما نرغب فقط به، سنركز على بعض الأشياء التي فعلاً نحتاجها، أصبحنا الآن أحراراً من عادة التفكير غير المنطقية أو التخلص من جنون وزحمة الأفكار التي كانت تسرق قوة اللحظة الحالية من حياتنا. نجد بعض الأفراد يعبر أنه مرهق ومتعب رغم أنه لم يبذل جهداً أو عملاً ما، أو نجد أفراداً مكتئبين ومحبطين من دون أسباب واضحة أو بينة، عند دخولنا على عالمهم الداخلي سنجد ما تحدثت عنه من زحمة الأفكار، صراع ذهني لا يتوقف وكأنه في ملعب طوال الوقت، عندما ندرك حقيقة ذلك، سنقف بحزم لمواجهة ما يضعفنا من الداخل، ونبدأ بالتخلص من العادة السابقة. ربما البعض يقول لا أستطيع أن أوقف تلك الأفكار المتزاحمة، نقول له ابدأ بإثارة كل تلك الأسئلة من أين أتت هذه الأفكار وماذا تريد، وبعدها اجعلها تعبر للخارج بهدوء من دون مقاومة وهذا يأخذ وقتاً، لأن كسر عادة قديمة اعتدنا عليها تحتاج أيضاً لوقت، جرّب ولا تحكم، فالتجربة هي خير برهان. الهدف من ذلك هو أن نشعر بقيمة اللحظة الحالية ونستمتع بها، فما يحصل هو ضياع الكثير من لحظات حياتنا ونحن في غياب تام، من دون أن ندرك حقيقة الموضوع ومعاني الحياة الجميلة، لنعيش الآن مع من نحب من أبنائنا وأهلنا وأصدقائنا وقبل ذلك ذواتنا، ونستمتع بكل ما لدينا الآن وهذه اللحظة وإن كانت في فنجان قهوة أو ابتسامة عابرة، فلا تشغلنا كثرة الأفكار التائهة. الماضي لن يعود، والمستقبل ليس في هذه اللحظة، فلنغتنم حاضرنا ونعيش لحظتنا..