وها نحن تآلفنا مع صور المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في صفحات مواقع التواصل الاجتماعي الخاصة بالسوريين في الشتات مذيلة بأشعار وكلمات تقدير وتتوسطها عبارة «منحبك»، مع بون شاسع طبعا بينها وبين التعبير نفسه الذي كان يستعمل لتمجيد الرئيس السوري بشار الأسد. فبالنسبة إلى السوريين الهاربين من الموت تمكنت ميركل من منحهم بعض التسهيلات التي قدمتها للاجئين وفرضت بالتالي على الدول الأوروبية معايير أكثر رحابة في استقبالهم. ردّ السوريون على الزعيمة الألمانية بمحاولة إشهار الحب لها بأي طريقة فكانت الـ«سوشيال ميديا»، هي الأكثر إظهارًا لذاك الامتنان، وها هم يتداولون بكثافة صور سيليفيز التقطتها ميركل مع لاجئين سوريين، حين زارت أحد مخيماتهم في ألمانيا عدا عن مقالات وتعليقات تشيد بها وتدين زعماء آخرين. ورغم أن بعض الإعلام الغربي ركز على صور لاجئين يحملون هواتف ذكية مفترضين أن هاربين من الحرب لا يجدر بهم حمل تلك الهواتف، إلا أن ذلك الجانب السيئ في التغطية لم يحل دون الصورة الإيجابية التي ترسخت للمسؤولة الألمانية والتي لقبها البعض بـ«ماما ميركل». ومن يتابع النقاشات الألمانية سيلمس أن هناك ارتياحا جراء الصورة الإيجابية التي باتت تقترن ببلدهم وبميركل. هناك اليوم ملامح جديدة لصورة المستشارة الألمانية وبالتالي صورة الألمان. خلال السنوات الماضية التي كانت فيها الأزمة الاقتصادية في ذروتها في اليونان جرى تصوير ميركل في كثير من الإعلام الأوروبي بصفتها طاغية لا ترحم، واستخدمت الكثير من الصور والتعليقات التي تشبهها بالزعيم النازي أدولف هتلر. حتما ليس كل الألمان سعداء بالصورة الجديدة للمستشارة، فالمناهضون للهجرة ولقدوم اللاجئين يصفونها بأنها خائنة وبأنها حكمت على مستقبل ألمانيا بالموت. لقد اختارت ميركل موقفا أخلاقيا حصنته بأدبيات أوروبية بشأن التعامل مع اللاجئين. صحيح أن جرأة ميركل تواجه تحديات قوية من قبل كتل عنصرية قوية في ألمانيا وأوروبا لعل أهمها حجج متعلقة بالاندماج وبالمخاوف من الإسلام. لكن مع ذلك يبدو الرأي العام الألماني أكثر انحيازا لخيارات ميركل. نعم، فعلت صورة الطفل السوري الغريق إيلان فعلها، خصوصا في بلد تختزن ذاكرته الجماعية صور قطارات اليهود المرحلين إلى المحارق، وهي مجازر لا يزال الألمان يدفع من رصيد صورتهم أمام العالم منها. أتت صورة الطفل إيلان وصور اللاجئين السوريين في القطارات وعلى الحدود لتصيب وترا عميقا في الوجدان الألماني، فكان الانحياز إلى اللاجئ السوري. لم تأخذ ميركل قرارها تحت تأثير التعاطف وحده، بل هي ردت على انشغال الرأي العام بالافتقار إلى اليد العاملة ولجيل شاب. هذا الانجراف العاطفي في مديح ميركل ينظر إليه كثير من الألمان بعين الراحة. فالألمان يرون في الصورة الإيجابية التي باتت تقترن بألمانيا اليوم أمرا تاريخيا في صورتهم كشعب ودولة. فثقافة الترحيب باللاجئين التي تكرست بفعل القانون وبفعل الصور التي تظهر الألمان يستقبلون اللاجئين بالورود فعلت فعلها لدى رأي عام متأثر بالتاريخ وبما خلفته ألمانيا النازية. قالها أكثر من معلق ألماني: «تعبنا أن نكون الأشرار»، وهناك صورة جديدة تترسخ فألمانيا تريد أن يحبها الرأي العام أكثر. لعل المأساة السورية تكون شفاء من صورة الماضي الألماني، أما عن شفاء سوريا نفسها فذاك حديث آخر لا يبدو أن أوانه قد حل بعد. *نقلا عن "الشرق الأوسط"