أحد أهم مرتكزات السعودية وثقافة السعوديين هي عدم تسييس فريضة الحج، ووضع جميع الحجاج من كل الجنسيات بما فيها الجنسية السعودية على مستوى واحد من الرعاية والاهتمام وتأدية الأمانة التي في أعناقنا تجاه المسلمين جميعاً. اليوم ربما تبدأ فعلياً على أرض الواقع رحلة الحجيج الذين أصبحوا في المملكة، رحلة يقوم بها الإنسان واضعاً كل ذنوبه على محك الغفران والتطهير، حلم بالعودة طفلاً بريئاً من الذنوب، حلم لا يتحقق إلا بتحـقق الروحانية والصدق والإخلاص في أداء الفريضة، أن يحج وبين ناظريه وفي فؤاده ربه الأعلى العظيم الذي أعطاه هذه الفرصة «العمرية» ليقف على أطهر الأصعدة، وبجواره ملايين الناس بهيئة واحدة واتجاه إلى رب واحد بأن يلطف بشغفهم للمغفرة، وأن يتقبل منهم عملهم. رحلة من جعلها خالصة للعبادة، وأبعدها عن شوائب الدنيا والسياسة والأهواء، حلقت به عالياً في فضاءات روحية لا متناهية من القرب والاقتراب، فبها تمام الأركان الخمسة، ومنها دروس وعبر لتهذيب الجسد، وتطهير الروح، وتنفس أجواء المساواة والعدل التي تتجسد سنوياً منذ قرون في البقعة ذاتها، وبالعمل ذاته للجميع. هي كذلك للضيف، ضيف الرحمن، فكيف هي لنا؟ نحن لا نكل ولا نمل من الاحتفاء بالحج وبأهله، الذي يحملون أجمل الأسماء، ضيوف الرحمن، ولا نمل ولا نكل من الكتابة عنه، فكيف أنه الحج بالنسبة إلينا كمواطنين سعوديين، بل أزيد وكمقيمين دائمين أصبحوا في عداد الأهل والأصدقاء؟ شعورنا جميل أن قائدنا يحمل مسمى يدل على مهمته الأشرف «خدمة الحرمين»، وينظر إلينا الناس الذين يأتون من كل فج عميق على أننا أصحاب هبة إلهية، إذ جعل الله بلادنا تحتضن الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة. إنها مسؤولية دينية وأخلاقية وإنسانية، والواجب أن تكون أنت أولاً على قدر المسؤولية، سواء كنت حاجاً من الداخل، أم «خادماً» تصطف مع ملكك لخدمة ضيوف الرحمن في أي موقع أنت فيه. الاصطفاف مع الملك وفريقه وجنوده الساهرين على راحة الحجيج ليس بالضرورة ميدانياً، إنما يكون بامتثال القدوة الحسنة، والتزام الأنظمة، وهذا سيكون عوناً كبيراً ومقدراً. إذا حججت فكن نظامياً ومضيافاً ومبتسماً ومعاوناً، وإذا سبق لك الحج مرات كثيرة فتركك الفرصة لغيرك فيه من النبل والإيثار الشيء الكثير، بل أحسبه، والله أعلم، فيه أجر كبير وكثير إذ خففت على المسلمين، وقاومت هذه الرغبة الجميلة في أداء هذه الشعيرة الأجمل. كن علامة إنسانية فارقة لأنك من هذا الجوار العظيم لأطهر البقاع، كن أنت رجل الأمن، ورجل النظام، وصاحب النظافة والتواضع، ومنبع الجمال، كن ممثلنا جميعاً أمام الحجاج في أيام معدودات. بعد غد يقف الأحبة والأخوة على الصعيد الطاهر، في يوم حج أكبر، وستكون أفئدتنا جميعاً معهم تدعو لهم بالحج المبرور والسعي المشكور، وتدعو لأمتنا بأن تكون أقوى وأجمل، وأن تنتهي مشكلات بعض الأشقاء، ليعودوا للبناء، بناء الإنسان ثم بناء الأوطان. الحج هبة إلهية لمن حج، ولمن هو متأمل بعمق في معانيه ودروسه وعميق روحانيته. نقلا عن الحياة