قراءة الموقف السياسي لا تحتمل الافتراض عندما يكون مُعمداً بالدم ، و ان بعض تلك القراءات يتجاوز السطحية الى السذاجة بإفتراض ان الرياض تغازل موسكو على حساب واشنطن و متنبئةً بتحولات إقليمية كبرى نتيجة لذلك . و ليعذرنا ذلك البعض في الاختلاف أولاً ، و التذكير ثانيا ، بأن الرياض لم تعد عاصمة المملكة العربية السعودية منذ فبراير 2011 بإجماع اخوة المصير الخليجي ، حيث تجلى ذلك واضحا في اخر لقاء للمغفور له الملك عبدالله بن عبدالعزيز بالرئيس اوباما ، عندما قالت ابوظبي ، و الكويت ، و المنامة للرئيس اوباما " يا فخامة الرئيس ، لا حاجة لقدومك إلينا في امر سوف تسمع فيه ردنا من الرياض " . ان استهداف أمن و استقرار دولنا يجب ان يقابل بإستهداف الخصم بما يتناسب و ذلك التهديد لضمان إيصال إرادة الموقف السياسي ، و بشرط ان يتجاوز الفعل بآلياته الموظفة عتبة الردع ، لاثبات دوام القدرة على نقل التهديد للخصم بكل الاشكال و الأدوات المتاحة ليتناسب و حجم التهديد من اجل ضمان الأمن و الاستقرار مستقبلا . فالولايات المتحدة و روسيا تدركان حجم الارادة السياسية في الموقف الخليجي عبر تواتر عملية السهم الذهبي في اليمن منذ انطلاقها بعد إعادة الامل ، و انها لن تتوقف قبل تحقيق هدفها السياسي بفرض سيادة الشرعية الوطنية على كامل التراب اليمني كما اكد على ذلك خادم الحرمين الشريفيين ، الملك سلمان بن عبدالعزيز ذلك في قمة واشنطن الاخيرة . ابناء دول الخليج العربي هم من يقف على حد السيف في ميدان الوغى ليثبتو للجميع قدرتهم على إنفاذ الارادة السياسية الوطنية بالدم ، و انهم لعلى استعداد على تاكيد تلك الإرادة في اي مكان قد يمثل تهديداً مباشراً لامننا الوطني ، فالاستقرار و الامن يستوجب دفع ضريبة الدم احيانا و على المتخلفين عن الركب مراعاة فارق الموقف . التوافق الامريكي الروسي الان قد تجاوز سوريا الي ليبيا و اليمن بعد نجاح الاثنين في تحقيق الاتفاق النووي الايراني ، و ان ذلك التوافق قد تعزز بينهما بعد اختراق الموقف العربي عبر مصر في ذات الملفات . فالتباين السعودي الاماراتي مع مصر حول تلكم الملفات قد تعدى التباين لدرجة قول الرئيس السيسي في موسكو " ان الحل في سوريا يجب ان يكون حسب وثيقة جنيف !! " و جميعنا يعلم ان لا وجود لمثل تلك لوثيقة تحت ذلك المسمي ، كما لم يصدر عن مكتب الرئاسة او وزارة الخارجية المصرية اي توظيح حول تلك " الوثيقة " حتى يومنا هذا كون ما اُجمع علية عربيا في في قمة شرم الشيخ كان ( وثيقة جنيف 1 ) فقط ، و جميعنا يستحضر كلمات المرحوم سعود الفيصل في رده حينها على رسالة الرئيس بوتين للقمة حول سوريا ، و ان ذلك الرد هو المعيار و المقياس لكل موقف حول سوريا . الا ان التوافق الامريكي الروسي يمر بأسوأ حالاته بعد ان نجحت السعودية و الامارات في الحَد من ذلك الاختراق عبر مؤتمر وزراء الخارجية في الدوحة ، و بإفراغه من اي محتوى اولا ، و قبر إمكانية تخليق محوراً اقليمي يتكون من الدوحة مسقط و طهران على حساب مكانة الرياض عربيا و إقليميا . و ما التصعيد الروسي الاخير في سوريا الا تأكيدا لإدراكها ان النظام الايراني لم يعد يملك ما يقدمة لنظام الاسد بعد ان فشله الذريع في تحدي الارادة السياسية للتحالف العربي في اليمن . كذلك ، انه قد يتعين على النظام الايراني ذاته اعادة رسم أولوياته ألجيوسياسية الاقليمة سريعا في حال خروج العراق من نطاق سيطرتة السياسية المباشرة ، لذلك نجد إيران الان تتجة لأحداث توافقات إقليمية خاصة مع باكستان مدعومةً بحليفها الصيني ، و افغانستان ستكون اول تلك التفاهمات . اما الهدف الاخر للتدخل الروسي المباشر في سوريا فهو بهدف إرسال رسالةً مباشرة للاوروبيين بالبقاء خارج الازمة السورية ، حتى بعد تفاقم نواحيها الانسانية ، او ان تقبل اوروبا بتهديد مصالحة الحيوية في البحر الابيض ، بما في ذلك مصادر الطاقة الأحفورية و المتجددة . فالتصعيد الروسي جاء تحديدا بعد اعلان فرنسا ، و بريطانيا اعتزامهم القيام بعمليات مباشرة في سوريا ضد تنظيم داعش بمعزلاً عن التحالف الدولي ضد للك التنظيم . الملف السوري سيبقى اكبر تهديد لاستقرار المنطقة الا اذا تم رفع كفاءة اداء الفصائل السورية في الغرب ، و الجنوب ، و الشرق السوري كمً و نوع لتحدث الزخم الميداني المطلوب و تفرض المخرج السياسي الوحيد في ذلك الملف ، و تحول دون تأسيس دويلة طائفية على الساحل الغربي لسوريا و التي ستكون مدخلا لتفتيت كامل سوريا لاحقا . لذلك يجب تحدي الارادة السياسية الروسية الان قبل يحقق الروس انتشاراً عسكريا أوسع في سوريا . و في حال تحقق ذلك ، فأن التكلفة ستكون أضعاف ما نتحمله الان سياسيا و انسانيا و الرئيس بوتين لن يغامر بتهديد عواصم التحالف العربي بترسانته النووية . اخر السطر : كم نتمنى ان تكون حاملتي الطائرات الفرنسية من فئة " الميسترال " جزءً من منظومة الدفاع الخليجي في بحر العرب و بحر عُمان ، لتحمل الاولى اسم المؤسس الملك عبدالعزيز و الثانية اسم مؤسس دولة الامارات الشيخ زايد بن سلطان ، رحم الله الزعيمين و غفر لهما . و بشرط ان تتطور تلك المنظومة الدفاعية مستقبلا لتبلغ سبع حاملات من تلك الفئة كحد أدنى ، و ان تتضمن قدراتها القتالية طائرات الإقلاع العمودي من فئة F-35C من الجيل الخامس او تزويدها بطائرات من نوع AV-8B عمودية الإقلاع .