وصلت الى نيويورك، ووجدت شوارع كثيرة في قلب مانهاتن مغلقة، والشرطة في كل مكان، وكانت هناك أنوار جميلة في المساء، خصوصاً تلك التي أحاطت ببعض ناطحات السحاب. قلت في نفسي إن أهل نيويورك أدركوا أخيراً أهميتي واستقبلوني كما يجب. في الصباح التالي، أدركت أن الاستقبال كان للبابا فرنسيس. هو معلوم، وأنا معدوم. كان يجب أن أدرك أن الاستقبال لغيري، طالما أنني لست مهماً في بيتي فكيف أصبح مهماً في شوارع مانهاتن. ما نلت من زيارة البابا أن سيري من الفندق الى مبنى الأمم المتحدة زاد ثلاثة أضعاف. ولم أحاول أن أستعمل التاكسي لأن المشي أسرع وشوارع كثيرة مغلقة. كان هناك عدد كبير من الزملاء والأصدقاء، وجلست والصديق الدائم سمير صنبر مع مجموعة من شابات بلادنا، كل منهن صحافية ناجحة إن في التلفزيون أو الصحف. وكانت إحداهن تعمل لصحيفة «وول ستريت جورنال». دار الحديث حول ما نتوقع في خطابات القادة العرب الزائرين، وحكيت للزميلات ما سمعت من الرئيس محمود عباس في باريس، وقلت إن بعض خطابه سيعتمد على ما سيسمع من وزير الخارجية الأميركي جون كيري قبل إلقاء الخطاب. قالت زميلة إنها تتمنى لو تسمع خطاباً من نوع ما ألقى بعض قادة العرب في الستينات والسبعينات من القرن الماضي، فهي صغيرة وما سمعت من كلام في السنوات الأخيرة كان من نوع يُنسى خلال أيام من إلقائه. قلت لسمير صنبر أن يحكي للزميلات قصة الملك فيصل مع الأمين العام للأمم المتحدة كورت فالدهيم، الذي زار منطقتنا قرب مطلع 1975. كنت سمعت القصة في حينه من سمير الذي حضر الاجتماع. ورأيته خارجاً من اجتماع الملك والأمين العام وعيناه مغرورقتان بالدموع. سألته ما حدث فقال إن الحديث تشعّب وتناول قضايا عدة، وعندما وصل الكلام الى القدس تحمّس الملك فيصل وأخذ «ينتف» طرفي ثوبه بيديه بعصبية ظاهرة، ثم دق بيده على صدره وقال لفالدهيم: «أنا القدس. أنا القدس. لا ينسى أحد هذا». أنتظر أن يقف الملك سلمان بن عبدالعزيز موقفاً مماثلاً لموقف أخيه الراحل، فهو لا يقل وطنية أو حماسة للمسجد الأقصى من أخيه الراحل. وأطلب من القارئ أن يسامحني وأنا أكرر قصة رويتها بعد اغتيال الملك فيصل، أي قبل 40 سنة، فهو زار القنيطرة المهدومة مع الرئيس حافظ الأسد وكنت ومجموعة صغيرة من الصحافيين نرافقهما. الملك فيصل حمل بنتاً صغيرة قدمت له وروداً وسار مع الرئيس الأسد، ونحن حولهما وبدا سعيداً باستعادة المدينة التي احتلها الإسرائيليون بعد حرب 1967. كل شيء سار بسلام حتى طلب الرئيس الأسد من الملك أن ينظر في منظار مقرب الى التلال المحتلة. عندما رأى الملك فيصل الجنود الإسرائيليين اربَدَّ (إسودَّ) وجهه، وأنزل الصغيرة عن ذراعه، وأخذ يتمتم بكلام لم أسمعه جيداً، ثم أسرع الى سيارة الرئاسة وأسرع الرئيس السوري وراءه وترك المكان. الأمير سلطان بن عبدالعزيز، وزير الدفاع في حينه وولي العهد بعد ذلك، قال كلاماً مماثلاً عن القدس للبابا يوحنا بولس الثاني في مقره الصيفي في كاستل غاندولفو. وكان يرافق الأمير سلطان الأمير محمد بن نواف، السفير في روما في حينه والسفير في لندن الآن. هو شاهد عدل. إسألوه عن ذلك الاجتماع الذي حضرته معهما. أتحدث عن الملك فيصل والملك سلمان وولي العهد الأمير سلطان لأنني عرفتهم، ومثلهم الشيخ صباح الأحمد الصباح. ثم أرجو أن يلقي الرئيس عبدالفتاح السيسي خطاباً باسم العرب كلهم، لا مصر وحدها، وقد سمعت منه كلاماً مشجعاً، ما يجعلني أنتظر عودة مصر الى موقعها المتقدم ضمن المجموعة العربية. في سنة 2011، ألقى أبو مازن كلمة فلسطين في الأمم المتحدة، واستقبِل بتصفيق وهتاف لم أسمع مثلهما بعد خطاب أي متحدث، بمن في ذلك باراك أوباما. وعندما خرج أبو مازن تبعه ثلاثة أرباع المشاركين للسلام عليه وإعلان تأييدهم القضية الفلسطينية. كنت هناك وأتكلم عما رأيت بعيني وسمعت بأذني. وقد ألقى مجرم الحرب بنيامين نتانياهو خطاب إسرائيل، ولم يتوقف بعده لاستقبال المندوبين فهو كان يدرك أن غالبية لا تريد مصافحته. ورأيته وحوله أعضاء وفده مثل المهاجر المولدافي أفيغدور ليبرمان. العالم معنا على رغم أنف الكونغرس الأميركي وبعض المتنافسين من جمهوريين وديموقراطيين على الرئاسة. إسرائيل نتانياهو دولة جريمة لا مكان لها ضمن مجموعة دول تعمل لخير الإنسانية. من صحيفة الحياة