دخلت روسيا رسميًا كطرف فاعل في الأزمة السورية، بل في منطقة الشرق الأوسط، وذلك بقاعدة جوية في اللاذقية وأسطول بحري يملأ البحر الأبيض المتوسط انطلاقًا من طرطوس، وبدأت فعليًا بتفعيل الموقعين بقصف عسكري شمل أرجاء سوريا ولم يتعرض بعد لتنظيم داعش الذي جاء تحت غطاء محاربته. التدخل العسكري الروسي أعاد خلط الأوراق المختلطة أصلاً في المنطقة، والسياسة كما تهدف للمصالح تحركها المخاوف وتدفعها الطموحات، فروسيا خائفة من الإرهاب وهذا حقها، وهي تسعى لمواجهته في سوريا حتى لا يصل لموسكو كما هي التصريحات المعلنة، ولكن السؤال هل تدخلها العسكري في سوريا سيمنع خطر الإرهاب عنها أم سيزيده؟ وهي الدولة التي يعيش في كنفها ملايين المسلمين وتجاورها دول مسلمة تكن لها عداء تاريخيًا؟ واضح أن التدخل الروسي لن يقتصر على سوريا، فهو يعرض خدماته على الحكومة العراقية، وروسيا بالتالي تنخرط في صراعات المنطقة لدعم المحور الذي تقوده إيران والذي بدأ يخسر في أكثر من مكان، من أهمها اليمن وسوريا وشيء ما في العراق وإن لم يصل لمداه بعد. إقليميًا، ثمة لاعبون رئيسيون في المنطقة، إيران والدول العربية وتركيا وإسرائيل، والتدخل الروسي مساند لإيران بشكل شبه كامل، وقد قام بطمأنة إسرائيل، ولم يلتفت للدول العربية وتركيا، وعلى الرغم من أن السياسة لا تخلو من تفاهمات معينة في الصراعات الكبرى، فإن هذا التدخل الروسي يجب الوعي بأهدافه قبل مواجهته. دوليًا، لمس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، القادم من خلفية عسكرية واستخباراتية وسياسية، تخاذلاً في المعسكر الغربي الذي تقوده الولايات المتحدة الأميركية والرئيس باراك أوباما، القادم من خلفية قانونية وثقافية ورؤية سياسية انعزالية وانسحابية من العالم، فلم يشأ تفويت الفرصة، فضم جزيرة القرم بالقوة العسكرية، وهو يهدد أوكرانيا ويدعم الموالين له داخلها دون أي اعتبار لأي موازنات دولية، ونجح وحصل له ما يريد دون أي رد فعل يذكر. واستمرارًا لتوسيع طموحاته يمكن قراءة دخوله العسكري في سوريا، بل في منطقة الشرق الأوسط، فالوجود العسكري الروسي لأول مرة في الشرق الأوسط بهذه القوة والوضوح يضمن منطقة نفوذ جديدة لروسيا دون أي خسائر تذكر، فالحضور القوي في البحر الأبيض المتوسط بقاعدة جوية وقاعدة بحرية تضمن له نفوذًا عسكريًا على جنوب أوروبا وشمال أفريقيا وفرض واقع دولي جديد سيكون من الصعب تغييره في المستقبل. تقضي سياسة أوباما الانسحابية والانعزالية بأن تقوم الدول والتحالفات حول العالم بحماية مصالحها بنفسها دون تدخل من أميركا، وهذا ما فهمه بعض القادة في المنطقة والعالم، وتصرفوا على أساسه. لقد خلقت انعزالية ويلسون دافعًا مهمًا لتدخل روزفلت في الحرب العالمية الثانية ولخوض أميركا الحرب العالمية الباردة بعدها والانتصار فيها، وعودة أوباما للويلسونية واستماتته في الاتفاق النووي مع إيران والتقارب مع الخصوم والتباعد عن الحلفاء مع خلطها لكثير من الأوراق، إلا أنها ستعيد التاريخ مرة أخرى، وهو ما سيجري مستقبلاً، فسيكون لأميركا عاجلاً أم آجلاً رئيس لن يرضى بكل هذا الضعف والانعزال والخلط. لم تبد أميركا أوباما أي اهتمام جدي بمشكلات المنطقة الكبرى وأزماتها، ففي سوريا يمكن بسهولة تذكر خطوط أوباما الحمراء التي انتهكت مرة بعد مرة، وكان في كل مرة يتراجع ويرضى بالهزيمة، وفي مواجهة تنظيم داعش الإرهابي لم تبد أميركا جادة فعليًا في القضاء عليه، وهذا الفراغ الكبير هو ما جاءت روسيا لملئه وقد تلحق بها الصين، إن صحت الأخبار في إرسالها لقوات عسكرية للمنطقة، وهو ما سيكون سابقة جديدة تلتحق بالروسية الأولى.\ كانت الحرب العالمية الباردة تدور رحاها في أوروبا الشرقية وفي أميركا الجنوبية وفي جنوب شرقي آسيا، ولكن الحرب العالمية الباردة والساخنة تجد لها مستقرًا اليوم في منطقة الشرق الأوسط، حيث «استقرار الفوضى» و«صراع الهويات» و«التنظيمات الراديكالية الإرهابية» التي تصب في مصلحة إيران ومحورها، في مقابل «استقرار الدول» و«نبذ الطائفيات» ورفض «التنظيمات الراديكالية الإرهابية» التي تصب في مصلحة الدول العربية. ولكن يبقى سؤال مهم هو كيف تحولت الأزمة السورية من رغبة شعب في الخلاص إلى تعقيدات تقودها راديكاليات وتتنازع فيها ميليشيات إرهابية؟ وشيء من الجواب يكمن في أن التخاذل الدولي عن نصرة الشعب السوري أدى إلى عدة أمور، منها: أن إيران ونظام الأسد استطاعا خلق تنظيم داعش الإرهابي ودعمه لإظهار المعركة بأنها ليست حربًا بين نظام وشعب، وتغاضوا عن خلق بعض الدول الإقليمية لقوى راديكالية على رأسها تنظيم النصرة الذي يمثل تنظيم القاعدة في سوريا، ومنها أنه شيئًا فشيئًا تصاعدت هذه القوى الراديكالية والإرهابية حتى أضعفت الشعب السوري ومعارضته السياسية وجيشه الحر وأصبحت تقود المعركة، ومنها كذلك أن البشر حين يدفعون