مر أكثر من 20 سنة على إقرار اتفاقية أوسلو، وبعد عام من فشل آخر محاولة لإعادة إطلاق جهود السلام في الشرق الأوسط، إثر جولات مكوكية لوزير الخارجية الأمريكي جون كيري، شهدت الأراضي الفلسطينية في الآونة الأخيرة ما بات يعرف بـ "انتفاضة السكاكين"، في مرحلة فشلت فيها كل الجهود المبذولة من أجل رأب الصدع بين أجنحة الحركة الوطنية الفلسطينية.
ووفقًا لموقع سويس إنفو يعتقد الخبراء أن "تحقيق المصالحة بين الفلسطينيين هو عنصر حاسم ومحدّد بالنسبة لمستقبل الشعب الفلسطيني وللسلام في المنطقة عموما على أساس تعايش دولتيْن متجاورتيْن بسلام".
ولفهم أسباب فشل الجهود المبذولة للمصالحة بين الفرقاء الفلسطينيين خاصة بين فتح وحماس، يقول رولاند ديتلي المسؤول عن البرنامج السويسري في الأراضي الفلسطينية لسويس إنفو.
أعتقد أن عملية أوسلو انتهت فعلا إذا أخذنا في الإعتبار ما وجدت من أجله هذه العملية أصلا قبل عقديْن من الزمن.
وبالإمكان الجزم بأن الروح التي جاءت بها أوسلو انتهت مع اندلاع الإنتفاضة الفلسطينية الثانية، وما نشهده اليوم مصدره الخيبة والإحباط، لأن أوسلو لم تحقق أي شيء للفلسطينيين.
واليوم هناك حالة ركود تام على المستوى الدبلوماسي،لكن من السابق لأوانه الحديث عن نهاية مرحلة اوسلو إداريا وسياسيا.
وأضاف ديتلي الإستيطان الإسرائيلي في الاراضي الفلسطينية المحتلة أدى إلى تراجع آمال السلام في المنطقة
، لكنه ليس العامل الوحيد فالأزمة العميقة التي تضرب المؤسسات السياسية الفلسطينية والقيادة الماسكة بزمامها، يضاف إلى ذلك انقسام الصف الفلسطيني إلى أجنحة وفصائل متنافسة على النفوذ والسلطة.
ويؤكد ديتلي أن هذا النزاع قابل للحل، إذا أمكن بناء دولتيْن متعايشتيْن بسلام. مبينًا أن مبادرة جنيف قد أظهرت إلى حدّ بعيد الكيفية التي يمكن أن تحلّ بها قضايا رئيسية ومعقّدة في هذا النزاع مثل مسألة الحدود، واللاجئين، والمياه،... لكن المشكلة تكمن في أنه من الصعب جدا قياس الإرادة السياسية أو التحكّم فيها.
ويبين " إن العائق الأساسي الذي يعرقل التقدّم في حل هذا النزاع ليس الواقع الميداني رغم كل تعقيداته، بل الشعور العام السائد بين السكان، على الجانبيْن الإسرائيلي والفلسطيني. وهذا ما يجعلني متشائما جدا بالنسبة للمستقبل."
وعن المصالحة بين الفرقاء الفلسطينيين وأهميته في تحديد مستقبل الفلسطينيين والسلام في المنطقة يقول الخبير السويسري في مجال بناء السلام " أن الفلسطينيين قد قطعوا في السنوات الماضية خطوات معتبرة من أجل الوصول إلى هذه المصالحة، آخرها اتفاق مخيم الشاطئ في عام 2014، لكنهم فشلوا في تنفيذ بنود هذا الإتفاق. ومن المعلوم في عالم الدبلوماسية أن الفشل في الالتزام باتفاق موقّع يخلق وضعا أسوأ من أنه لو لم يكن هناك اتفاق أصلا.
أبرمت العديد من اتفاقيات المصالحة بين حماس وفتح منذ 2008 وحتى الآن لم تجد جميع تلك الإتفاقيات طريقها إلى التنفيذ بسبب وجود حقد وعداء دفينيْن بين الرئيس الفلسطيني محمود عبّاس، وقيادة حركة حماس، وهناك انعدام ثقة بين الطرفيْن.
ثم إن الإتحاد الأوروبي، أكبر جهة مانحة للفلسطينيين، لا يستثمر ما يكفي من الجهود على المستوى السياسي لتغيير هذا الوضع. ويعقّد المشهد أكثر فأكثر غياب الدور العربي بعد تخلّي مصر عن دور الوسيط المحايد.
كما أن إسرائيل لا تخفي معارضتها لأي تقارب فلسطيني – فلسطيني، وتعتبر أن انقسامهم يصبّ في مصلحتها، ولإسرائيل العديد من الأدوات التي تستخدمها بذكاء لتأبيد الوضع القائم.
ولكن في الحقيقة، الجمود السائد الآن ليس بسبب التدخّل النشط لأطراف أجنبية،فالإنقسام هو نتاج فلسطيني داخلي قبل كل شيء، مرده أن الطرفيْن (فتح وحماس) ليسا مستعدّيْن لدفع فاتورة هذا التقارب أو القفز نحو المجهول، والتخلّي عمّا بحوزتهما حاليا من مكاسب ونفوذ (بإمكان حماس أن تقول إنها تسيطر على قطاع غزة، وتحصل على دعم من جهات عدة، ولا تعلم ما الذي ينتظرها لو تخلت عن ذلك. في المقابل، حركة فتح في رام الله، لا تزال تحصل على كثير من الاستثمارات والمعونات المالية، بالإضافة إلى سيطرتها على السلطة والأجهزة الامنية والإدارية).