نادين البدير
هل كان إنجابي لطفلة مقامرة في هذه المنطقة التي لا تثق بنسائها كل الثقة لأنهن متخلفات أو معوجات.
أشعر أني بورطة رغم سعادتي البالغة،إذ أحاول تخيل الطريقة التي ستتشكل بها ذهنيتها حين تكبر. نعم، سأبذل كل الجهد كي لا ترتاد نفس المدرسة الصغيرة التي حولت أيام صباي لأوقات ملتهبة من الحيرة والضياع. لم تؤثر بي لأني قاومت التطرف الذي اكتسحها، لكن غالبية الطالبات تحولن عقبها إما لداعيات أو لأمهات دعاة أو إلى مرحلة القناعة المطلقة بجماليات اللاشيء.
مدرسة بأفكار قاعدية داعشية، كل شيء فيها كان حراماً ابتداء من الصور ومرورا بالرقص والغناء وحتى التمارين البدنية والشعر، كلها حرام في حرام. ذات صباح وفيما كانوا يوزعون علينا جوائز سخيفة، صفقت لدى سماعي اسم الفائزة الأولى، فرمقتني الحاضرات باستغراب كأني ارتكبت منكرا، فيما أخذن يرددن بصوت مرتفع يعلو ويعلو ويصدح: الله أكبر. الله أكبر.
تلك التكبيرات كانت دارجة كبديل عن التصفيق الذي عد وقتها بدعة.
ليس الفارق كبيرا في شكل ومضمون الحاضنة المدرسية بين الأمس واليوم. أناقش كثيرين في مجال التعليم، فيخبرونني قصصا فظيعة يرتكبها المعلمون والمعلمات في التحريض على النظام السياسي وبث دعايات التطرف والإرهاب والتكفير وكره الآخر. عدا بنية المناهج التي لم تتغير، ولا تزال تفرخ سنوياً أجيالا جديدة من فكر ما بعد داعش وخراسان.
على امتداد مناهج العالم العربي، لا أريد لابنتي أن تتلقى دروساً تمارس فيها البنت دور الطبخ والكنس فيما الولد يظهر بصفحة الكتاب مهندسا أو جندياً أو قاضياً.
هل أكون مذنبة إن حرصت على أن تنشأ ابنتي في وطنها العربي الكبير حيث تنعدم كل فرص الأمل بمستقبل بديع لأحلام الإناث. مخترعة رائدة فضاء، رئيسة، زعيمة، والية وفقيهة ومفتية وإمامة..
بلاد يظن سكانها أن التحدث مع الأطفال بلغة غير العربية هو أقصى معايير الحضارة، وتسيطر عليهم عقدة المستعمر وتقليد لهجته التي تبحث عنها الأمهات بشق الأنفس لتتباهى أمام الصديقات والمعارف، فابنتها تجهل العربية وتتقن الانجليزية بلكنة أميركية، في الوقت الذي تتشرب فيه كل تعاليم الطاعة المطلقة لزوجها والتي اوهموها انها تلقائيا مرتبطة بطاعة السماء. تعاليم تتناقض تماما مع تعاليم الغرب الذي يستميت لتقليده في ملبسه ولغته.
كم تعجبني المستشارة الألمانية وهي تلقي خطابها أمام الزعماء بلغتها الأم، فتجبرهم على الاستعانة بالسماعات لينصتوا للترجمة. ليتسمروا أمام حالة من تراكمات الحضارة، اسمها آنجيلا.
آنجيلا مركل. متى تخرج من أرحام العربيات واحدة تشبهها ؟
طالما أن التمسك بالعربية أثناء الحديث دون إدخال مفردات من كل القواميس صار تخلفاً، فالمفترض أن نخجل تباعا من الحزمة العربية بأكملها، والتي تضم إلى جانب اللغة العادات والتقاليد والأعراف والموروثات والغضب المخزي الذي يعتري الوجوه كلما أتينا على ذكر المساواة.
لكن ريثما نتخلص من كل هذه الجذور المعيقة للإبداع والذكاء وأحلام اكتشاف باطن الأرض والفضاء. هل ستلومني آنجي على حياتها هنا أم أن آنجيلا يمكنها الظهور حتى بأقسى الظروف تعاطياً مع الأنثى ؟ أشك في ذلك.