رضوان السيد
في حين يمضي الحوثيون، فيما يبدو، باتجاه الدمار الكامل، يحاول الروس والإيرانيون، ومعهم أطراف عربية ودولية معلنة وغير معلنة، ترميم أوضاع الرئيس السوري بشار الأسد. هل من رابٍط بين الأمرين؛ دمار الحوثيين وعّفاش، والإصرار على استدامة الأسد؟ نعم، هناك رابٌط أساسي يتمثل في الحبل الإيراني الجامع بين مواقف الطرفين: الإصرار على تدمير المجتمع والدولة في كٍل من سوريا واليمن.
وما استطاع الإيرانيون التدخل مباشرًة أو عبر ميليشياتهم المرَسلة في اليمن، بخلاف ما حصل في سوريا، ولذلك أصُّروا على الحوثيين أن يستمروا في تدمير المدن وقتل الناس، رجاَء أن يدَفَع ذلك المجتمع الدولي والتحالف العربي للخضوع لرغبات الحوثي وعّفاش غير المحَّددة حتى الآن! هذا هو الجامع الأول. أما المشترك الثاني بين سوريا واليمن فيتمثل في أّن الأكثرية الشعبية في البلدين ثارت عام 2011 على النظامين الأقلويين الفاسَدين. وفي الحالتين تدخلت إيران للحفاظ على حكم الأقلية الاجتماعية والمذهبية، التي أرادت البقاء في السلطة أو اقتناصها بالقوة. وهنا تبدأ الفوارق بين الحالتين:ُترك الشعب السوري للدمار تحت وطأة كيماويات وطائرات الأسد والميليشيات الإيرانية والسلاح الروسي، وتحالف الأقليات (المظلومة!)، في حين تدَّخل مجلس التعاون الخليجي في اليمن منذ 2011 لنْظم التغيير في عمليٍة سياسية لا ظالَم فيها ولا مظلوم.
وعندما تدّخل عّفاش من جديد متحالًفا مع الحوثي مستعملاً القوة، تدخل مجلس التعاون بالتحالف مع دوٍل عربيٍة أخرى وبقيادة السعودية، لإحباط الانقلاب الجديد عسكرًيا دون التخلي عن العملية السياسية التي حاول الانقلابيون تدميرها.
لماذا حصل في اليمن ما لم يحصل في سوريا، فجرت صيانة اليمن بينما بقيت سوريا مهَّددًة بالضياع؟ في سنة الربيع العربي الأولى (2011) ضاع القرار في كل دول المشرق العربي، وصان الخليج نفسه وأظهر فعاليًة بالتدخل في البحرين واليمن. وقد مضت على الأحداث بسوريا ستة أشهر تزايد فيها العنف،َفحَّرك الخليج المسألة بالجامعة العربية لأنه لا يملك حدوًدا مع سوريا، ولا يريد زيادة التدخل الخارجي، وقد بدأتُكٌّل من إيران وتركيا تتدخلان بأشكال مختلفة. وما أرادت الدول العربية الأخرى أن تفعل شيًئا، لأن سلطات تلك الدول خارج الجزيرة كانت في أحد موقفين: إما سقطت أو معرضة للسقوط، أو تعتبر أّن وضع بشار الأسد مثل وْضعها، وبالتالي فهي لا ترغب في تغييره. وقد أرسلت الجامعة مبعوًثا فمبعوًثا فمبعوًثا، وسارعت إلى مشاركة الأمم المتحدة إشعاًرا بالضعف، وعدم اتفاق دولها على ما يجب فعله. وما حصل خلال السنوات الأربع غير أمر إيجابي واحد هو بيان «جنيف ¬ 1»، الذي ما قبل المعسكر الملتف حول الأسد تنفيذه.
وتقدم النظام عام 2014 بدعم إيران وميليشياتها في العراق ولبنان، وزيادة التسليح من جانب روسيا. لكْن في العام 2015 عاود الثوار المسَّلحون التقدم على حساب النظام، وحساب «داعش»، فاستغاث النظام بروسيا، التي استشارت إيران، وتحدثت إلى الأميركيين والسعوديين والبريطانيين والألمان والصين ودول أخرى مثل مصر وُعمان والجزائر تعتبرها حليفة. وبالإضافة إلى أن التدخل الروسي خَّلف مئات القتلى المدنيين، وبدا مهتًما بدعم قوات النظام وحْسب، فإّن ذاك التدخل أثمر مؤتمر «فيينا ¬ 1» الذي حضرته 17 دولة، وبدا أقل منُخْطوٍة على طريق تنفيذ «جنيف ¬ 1». وأنا لا أقول ذلك لأن وسائل التنفيذ على الأرض ليست حاضرة ولا يمكن أن تحضر بسهولٍة فقط، ولا بسبب الخلاف على مدى استمرار بشار الأسد، بل أقول ذلك لأن المقصود وضع المعارضة المسّلحة وغير المسَّلحة في مواطن الإحراج والتشرذم. فهناك معارضة موسكو ومعارضة القاهرة. وهناك أخيرا الائتلاف في تركيا. ثم لا ندري مدى العلاقة بين الائتلاف والجيش السوري الحر. ثمَمْن هو الجيش الحر الذي يقبل التفاوض، ومن هم «المعتدلون» من الجيش الحر، الذين يستحقون التمثيل في نظر روسيا وأميركا؟! وإذا كانت العملية الانتخابية ضروريًة الآن، وليس في المستقبل، فينبغي التفكير بالمهَّجرين (الذينُذكروا في بيان فيينا، وهم منتشرون في سائر أنحاء العالم). وينبغي التحرك باتجاه المجتمعات وليس باتجاه الدول فقط. إّن هذا الجهد ينبغي أن يقوم به المهتمون العرب لجمع كلمة السوريين في المفاوضات بشأن السلام. وقد صار ذلك الآن ضرورًيا ضرورَة الدعم بالسلاح في الشهور القادمة السابقة على وقف إطلاق النار. وهناك التعب الآخر، فماذا سيصادف العائدون من الهجرة أو المهجر، وما هو الجيش السوري الباقي، وأي المسلحين من الجيش وغيره يجري نزع سلاحهم، وأيهم يجري إدخالهم للجيش؟! كلها قضايا حّساسة في الظروف العادية، فكيف بالوضع الحالي الذي تتكاثر فيه الشكوك، ولا يتصور أحد الآخر. وبخاصة أنه صار بين الطرفين قاتل ومقتول!! إّن المقصود من هذا كِّله مرًة أخرى ليس توضيح الصعوبات؛ بل القول إن هذه الصعوبات ناجمٌة في معظمها عن ضْعف الطرف العربي، واضطراره إلى العهد بذلك للدوليين، ثم الاعتماد على أميركا وروسيا بالمطلق، ودخول عشرات الأطراف الصغيرة والمتوسطة بحًثا عن دوٍر وعن إرضاء. ثم لا يدري أحد بعد هذا، هل من الممكن استعادة وحدة سوريا، وبأي شروط؟ ولنعد إلى اليمن.
الفرق واضٌح بين الحالتين اليمنية والسورية. فدخول التحالف العربي أخرج اليمن من احتمالات الصراع الدولي، والصراع الإقليمي. ولذلك وبعد ضرب الحوثيين وعّفاش، يمكن القول: نعود لمخرجات الحوار، وكتابة الدستور، والانتخابات. لكّن هذا كَّله غير كاٍف، بل لا بد من استراتيجية للخروج أو للتلاؤم، ولا أقصد بذلك خطة التنمية الشاملة، وإمكان الإدخال في مجلس التعاون الخليجي، فهذه أموٌر حيويٌة ومهمٌة، لكنها تشترط الانتظام السياسي. وهذا هو المقصود باستراتيجية الخروج.
فلدينا الأحقاد بين الشمال والجنوب. ولا يزال جنوبيون كثيرون يريدون الاستقلال. والمشكلة أّن هيكلية السلطة كّلها جنوبية تقريًبا. ثم إنه لو أُريد إعادة التفاُوض بين الشمال والجنوب، فإّن الجنوبيين برز من بينهم أُناٌس كثيرون، بينما لا يعرف الشمال غير الأحزاب التقليدية التي ما استطاعت التعامل الصحيح لا مع صالح ولا مع الحوثيين، لا في زمن السلم ولا في زمن الحرب.
إّن الفرق مرًة أخرى في النهاية كما في البداية بين سوريا واليمن، أنه إذا كان السوريون يحتاجون للكثير من الجهد العربي من أجل الاجتماع والتوافق، فإّن جهد التوافق والتوفيق في اليمن ينبغي أن يقوم به اليمنيون أنفسهم، وذلك لأنه ليست بينهم عداوات، فجميعهم ناضلوا ضد صالح وضد الحوثي. وإذا هدأ اليمن، وهو سيهدأ، فإنهم يستطيعون الاجتماع بالداخل أيًضا.
* نقلا عن "الشرق الأوسط"