قررت المحكمة الدستورية حجز الدعاوى المقامة لبطلان الانتخابات البرلمانية لجلسة الأحد المقبل للنطق بالحكم. وأياً كان الحكم فإن مشكلة البرلمان القادم تكمن فى الطريقة التى تعاملت بها السلطة السياسية مع قانون الانتخابات وتقسيم الدوائر، وترك الأمر برمته لمجموعة من الحرفيين وخبراء القانون والأمن، وغاب تماما أى حضور لسياسيين من أى نوع تماما مثلما كان يجرى فى عهد مبارك، ومع ذلك فشلوا فى وضع نص قانونى خال من العوار الدستورى. والحقيقة أن نصا قانونيا خاليا من الإجابة عن سؤال لماذا تم وضع قوائم أربع بنظام القائمة المطلقة وليس أكثر؟ ولماذا قُسمت الدوائر الانتخابية بهذه الطريقة العشوائية غير المسبوقة فى تاريخ مصر أو غيرها من دول العالم؟ لن يجعلنا نتقدم خطوة للأمام. والحقيقة أن قانون انتخابات يصغر مساحة الدوائر وأعداد الناخبين، حتى أصبح هناك تقريبا نائب لكل عدد يتراوح بين 120 إلى 130 ألف ناخب، وأصبح من الوارد أن ينجح فيهم نائب بعشرة آلاف صوت من عشيرته أو شلته، سيفتح الباب واسعا أمام نواب العصبيات وشراء الأصوات وكتل المستقلين، وأيضا الطعن على دستورية القانون، لأن هناك دوائر بمقعدين وثلاثة، «وهو ما كتبته حرفيا فى مقال (قانون الانتخابات الأسوأ)»، وأن الحجة البليدة الكارثية أنه يجب أن نزيد عدد نواب البرلمان، لأن هناك زيادة فى عدد السكان، نسيت أو تناست أن بلدا مثل الهند تجاوز عدد سكانه مليارا و200 مليون نسمة وبرلمانه يضم 550 عضوا وليس عشرات الآلاف من النواب وفق نظرية نائب لكل 131 ألف ناخب. وقد تفاوت تقسيم دوائر الفردى الـ420 مقعدًا من دائرة إلى أخرى، فشهدنا «بالصلاة على النبى» 119 دائرة بمقعدين، و77 بمقعد، و35 بثلاثة مقاعد، وهو أمر يدل على التفكير بالقطعة الذى تحكمه تفاصيل فنية وإدارية منفصلة تماما عن أى رؤية سياسية، أو حتى تصور عام وشامل. الطبيعى والبديهى أن يوضع نظام انتخابى للأمة لا يُفصل على مقاس أحياء أو أقسام أو دوائر، وأن يكون هذا النظام موحدا لكل الجمهورية، كأن ينص مثلا على وجود نائبين لكل 500 ألف ناخب كما نقترح، وقد تكون هناك استثناءات بنص قانونى فى دوائر حدودية (حلايب وشلاتين). لأن الأمم التى ترغب فى التقدم لا تضم فقط حرفيين يُفصلون القوانين على الأوضاع الإدارية القائمة، إنما قدر محسوب من الخيال السياسى يصنع تراكما للأمام من خلال البناء على ما تعرفه شعوبها وتعدله كل فترة، اعتادت مصر على انتخاب نائبين فى كل دائرة، أحدهما عامل أو فلاح والثانى فئات، ومع إلغاء هذا النص من الدستور بجرأة من قِبَل لجنة الخمسين، كان من الطبيعى أن نستكمل هذا المسار ونبنى عليه، وأن تكون الدوائر الفردية مقعدين كجزء من الثقافة السياسية «الحميدة»، بعد إلغاء نسبة الـ50% عمالا وفلاحين، واعتاد فيها المصريون التصويت لاثنين. أما القوائم فيجب على أى صانع قرار أن يقرأ مشهد القوائم ويتأمله، فعمليا مستحيل أن يتجمع الجميع فى قائمة واحدة، وليس مطلوبا أن يتجمعوا فى قائمة واحدة، إنما أن يتنافسوا فى مناخ صحى، وأن تكون القوائم معبرة عن التنوع السياسى الموجود فى المجتمع، خاصة بين القوى المؤيدة لانتفاضة 30 يونيو العظيمة. وإذا كان هناك اعتراف بضعف الأحزاب وانتقادات تملأ الدنيا عن هشاشة الأحزاب، واتضح عجزها عن تشكيل قوائم قادرة على المنافسة واستسلامها بسهولة أمام ظهور قائمة «فى حب مصر» التى قيل إنها مدعومة من الدولة، فتفككت قوائم تحالفات، وهرولت قوائم أخرى للحاق بالقائمة التى تصور الكثيرون أنها ستفوز، وفشلت تيارات أخرى فى استكمال قوائمها وإيجاد الأعداد المطلوبة. وللخروج من هذا التخبط والتعثر المبكر لابد أن تكون القوائم قوائم محافظة أو على الأقل 25 قائمة، مادمنا اعتمدنا نظام القائمة المطلقة التى تعبر عن الواقع المحلى والسياسى لكل محافظة، ويتنافس فيها أفضل ما فى قوائم «فى حب مصر» و«صحوة مصر» و«الجبهة المصرية» و«حزب النور»، وكل من لديه القدرة على تشكيل قائمة بدلا من قوائم بدت أقرب إلى قوائم التعيين من قوائم الانتخابات، مع العلم أن الدستور أعطى الحق لرئيس الجمهورية فى تعيين 5% من أعضاء البرلمان، وهو رقم غير مسبوق فى تاريخ مصر وكثير من دول العالم، إيمانا بأهمية تمثيل كفاءات، ومراعاة لغياب شرائح مجتمعية لا تأتى بالانتخاب. فهل سيفتح حكم المحكمة الدستورية، يوم الأحد المقبل، الباب لمعالجة سياسية أخيرة لعيوب هيكلية فى قانون الانتخاب وتقسيم الدوائر أم سنستمر فى مسار خطأ وخطر سندفع جميعا ثمنه؟ *نقلاً عن "المصري اليوم"