تأتي زيارة أمير الكويت للأردن أول من أمس لتأكيد ما لم يعد في حاجة إلى تأكيد، أي لبعد نظر سمو الشيخ صُباح الأحمد وقدرته على اتخاذ القرارات الجريئة بعد الدراسة المعمّقة لها. يعرف الشيخ صُباح الأحمد، بفضل خبرته الطويلة في السياسة الدولية والإقليمية، أكثر من غيره، أن دعم المملكة الأردنية الهاشمية دعم للاستقرار الإقليمي من جهة وللحرب على الإرهاب من جهة أخرى. كان الاستقرار الإقليمي في كلّ وقت همّا، بل هاجسا كويتيا، كذلك الحرب على الإرهاب التي تشارك فيها الكويت على طريقتها وبوسائل تتلاءم مع قدراتها ورؤيتها للأحداث. لا تعود أهمية الزيارة إلى الفائدة من المحادثات مع الملك عبدالله الثاني صاحب الخطاب المميّز على الصعيد العربي فقط. تأتي أهمّيتها أيضا من توقيتها، خصوصا بعد الذي تعرّض له الأردن وإقدام «داعش» على إحراق الطيّار معاذ الكساسبة. لم يكن ما ارتكبه «داعش» إساءة إلى الأردن فحسب، بل كان إساءة إلى الإسلام أيضا. ولابدّ من العودة هنا إلى أنّ العاهل الأردني كان في طليعة الذين دعوا إلى مواجهة الواقع بدل الهرب منه وإلى الاعتراف بأهمّية أن يأخذ المسلمون المبادرة في مجال محاربة التطرّف بكلّ أشكاله. استطاع الأردن بفضل تلاحم ابنائه التصدّي لإرهاب تنظيم «داعش» الذي أراد تعطيل حملته على الإرهاب الذي تمارسه مجموعة من المنظمات المتطرّفة. سيطرت هذه المجموعات على جزء من سورية والعراق وظهرت أخيرا في ليبيا حيث أعدمت مجموعة من المصريين المساكين، كان ذنبهم الوحيد أنّهم من الأقباط. استفاد «داعش» من تراخي الإدارة الأميركية من جهة ومن تشجيع النظام السوري له من جهة أخرى. لم يعد سرّا أن السياستين السورية والإيرانية في المنطقة ساهمتا في توفير حاضنة لـ«داعش» في كلّ من سورية والعراق، خصوصا في المناطق ذات الأكثرية السنّية. ثمّة وضع في غاية التعقيد في المنطقة. لم يعد خافيا على أحد مدى الضرر الذي لحق بالعراق جراء التغلغل الإيراني الذي رافقته إثارة للغرائز المذهبية التي كانت خير حليف لـ«داعش». كذلك، لم يعد خافيا أنّ الرهان الأوّل والأخير للنظام السوري كان على «داعش» وأخواته وإخوانه وذلك كي يصوّر الشعب السوري بأنّه مجموعة من الإرهابيين وأن حربه هي مع الإرهاب وليس مع المواطن السوري الباحث عن كرامته منذ ما يزيد على نصف قرن. أظهر الأردن أنّه حجر الزاوية في الحرب على الإرهاب، خصوصا في حال توافر الإمكانات التي هو في حاجة إليها. من هذا المنطلق، كانت زيارة الشيخ صُباح للمملكة في غاية الأهمّية والذكاء. إنها زيارة تندرج في سياق الدور الكويتي التقليدي الذي عزّزته رؤية الأمير الذي عرف دائما كيف يقود السفينة في البحار الهائجة. لا حاجة بالطبع إلى التذكير بالدور الذي لعبه الشيخ صُباح مع الأميرين الراحلين الشيخ جابر الأحمد والشيخ سعد العبدالله عندما تعرّضت الكويت لزلزال الاحتلال العراقي في عهد صدّام حسين. ما كانت الكويت لتستعيد استقلالها وثرواتها وتحافظ على مواطنيها لولا الالتفاف الشعبي حول القيادة التي عرفت وقتذاك كيف تستغل التعاطف الدولي والعربي مع بلد صغير تعرّض لظلم ليس بعده ظلم. ثمّة حاجة إلى أردن قوي أكثر من أيّ وقت في هذه المرحلة العصيبة التي تمرّ فيها المنطقة. ليس سرّا أن الهمّ العراقي همّ كويتي واردني وأن البلدين يراهنان على تغيير كبير في سياسة بغداد يشمل نظرة جديدة إلى العلاقة بينها وبين الدول العربية الأخرى، بعدما خلف الدكتور حيدر العبادي نوري المالكي كرئيس للوزراء. إنّهما يشجعان على ذلك وعلى مزيد من الانفتاح على بغداد. ولا شكّ أن الهمّ السوري هم مشترك. فالبلدان مع حلّ سياسي في سورية. وإذا كان الأردن يدعم قوى الاعتدال في سورية ويتحمّل مسؤولية رعاية مئات آلاف اللاجئين السوريين في أراضيه، فإن الكويت تستعد لاستقبال مؤتمر دولي ثالث للمانحين بغية تخفيف عذابات الشعب السوري. إضافة إلى ذلك، هناك قاسم مشترك آخر بين الكويت والأردن. هذا القاسم المشترك هو مصر التي حظيت منذ «ثورة الثلاثين من يونيو» في العام 2013 بدعم سخي من الكويت، في حين قدّم الأردن، ذو الموارد المحدودة، كلّ ما يستطيع تقديمه من دعم سياسي لدعم التغيير الكبير الذي مكّن الشعب المصري من التخلّص من نظام الإخوان المسلمين الذي لم يكن لديه مشروع سياسي أو اقتصادي للبلد باستثناء التجربة البائسة لحركة «حماس» في قطاع غزّة. منذ البداية، لم تقف الكويت مكتوفة حيال ما يجري في مصر. سارعت، بعد دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية إلى مساعدة الشقيقة الكبرى في وقت كانت هناك حاجة عربية ماسة إليها، وإلى وزنها، من أجل استعادة التوازن الإقليمي المختل. سعى الشيخ صُباح دائما إلى تنقية الأجواء العربية، كذلك عمل على تطبيع العلاقات الخليجية ـ الإيرانية، وقد زار طهران بعد قمة «مجلس التعاون لدول الخليج العربية» التي استضافتها الكويت أواخر العام 2013. كان على الكويت أن تعمل في كلّ وقت من أجل الحدّ من التشنّج في المنطقة. لولا الكويت وجهود الأمير لكان من الصعب انعقاد القمة الخليجية الأخيرة في الدوحة. تعمل الكويت كلّ ما تستطيع عمله من أجل تخفيف التوتر الإقليمي، حتّى عندما تبدو مهمّة الوساطة في غاية الصعوبة والتشنج في أوجه. تعمل الكويت بهدوء. لا ضجيج ولا شعارات براقة. تكمن أهمّية السياسة الكويتية في الاستمرارية والوضوح. هذه الاستمرارية أدّت إلى الزيارة التي قام بها الشيخ صُباح لعمّان في وقت قرّر الأردن شنّ حرب لا هوادة فيها على «داعش». هذه الحرب ليست حرب الأردن وحده، بل هي أيضا حرب كلّ من يعتقد أنّ لا مجال لأيّ تهاون مع الإرهاب ومع المسيئين للدين الإسلامي. هناك في نهاية المطاف بعض العقلانية العربية. أي تفاهم كويتي ـ أردني في شأن أزمات المنطقة يخدم هذه العقلانية التي تبدو المنطقة في حاجة إليها أكثر من أيّ وقت. هذه الحاجة باتت ملحّة في مرحلة أصبحت فيها إعادة رسم خرائط الدول الشرق أوسطية واقعا وليس مجرّد تكهّنات لمراكز أبحاث. *نقلاً عن "الراي" الكويتية