عتبر الإرهاب الديني من أهم القضايا الساخنة، حيث أجمع العالم على محاربته أو إيجاد الطريقة المناسبة لاحتوائه والسيطرة عليه لما يشكله من تهديد للأمن العالمي. منذ الخطوات الأولى لحملة ’’الحرب على الإرهاب’’ التي لم تكن تعني بمضمونها معاقبة مرتكبي جريمة أيلول 2001، والتي أعلنها الرئيس ”جورج بوش” واستمرت إلى الآن، ارتسمت ملامح خطط سياسية بعيدة المدى وتحولت أنظار العالم نحو عدو من نوع آخر لا يمكن احتوائه بحرب باردة كالتي عايشها العالم إبان مرحلة القطبين وما رافقها من تطوير ترسانات نووية وسباق تكنولوجي وبرامج اقتسام للفضاء وغيرها من أشكال توازن القوى في كلا الجانبين، ولا يمكن القضاء عليه بالمواجهة المباشرة، فحرب أفغانستان التي تعد أطول الحروب الأمريكية وأكثرها كلفة من الناحية الاستراتيجية بحسب دراسات معهد واشنطن، كانت نتائجها وخيمة، من حيث عدد الضحايا الذي بلغ 10292 من المدنيين دون التطرق إلى عدد المفقودين وضحايا الجوع، ومن أنها حولت أفغانستان إلى حالة يرثى لها وجعلتها أكثر عنفاً وجعلت العالم أكثر عرضة للتهديد، أما العراق فمازالت هذه الحرب تلقي بكوارثها فوق أرضه وتحصد أرواح المدنين وتستنزف ما تبقى من خيراته.
الحرب على الإرهاب رغم أنها وفّرت للإدارة الاميركية فرصة لقيادة العالم، إلا أنها أنتجت جملة من الإرباكات تجاه ما سعت أميركا لإثباته، منها أن التكنولوجيا المتطورة وبرامج الأنظمة المضادة للصواريخ ستجعلها القوة الكبرى، وأن التفوق العسكري الهائل يقدم لها الأمن الدائم، ففي هذه الحرب غير المتناظرة يمكن للخصم أن يحارب دولة تمتلك تكنولوجيا فائقة التقدم عبر استخدام تكنولوجيا متواضعة، ومنها أن هذه الحرب لايمكن استشراف آفاقها المستقبلية بدقة ووضوح حيث تتكاثر الأعداد والأطراف المحاربة فيها، إضافة لعدم القدرة على تحديد مصدر التهديد الرئيسي وطبيعته أهو شخص كأسامة بن لادن أم الفكر الجهادي أم أيديولوجية إسلامية يقودها دعاة تنظيمات سياسية دينية أم دين الإسلام بأكمله، كما لا يمكن حصرها في مجموعة من الدول يمثلها ’’محور الشر’’ أو منطقة معينة يمثلها العالم الإسلامي، هذه الارباكات في تحديد الوجهة أو ماهية العدو الفعلي لم تصب أميركا وحدها إنما العالم الغربي بأكمله، وألقت بثقلها على العالمين العربي والإسلامي بكثافة خصوصاّ بعد ظهور تنظيم داعش الذي مثّل أحدث تجسيد لقوى الظلام المرعبة، ورغم أن إمكانية هزيمته العسكرية ليست معضلة كبيرة، لكن هذه الهزيمة لن تؤمن انتصاراً فعلياً ونهائياً لأي دولة تعتقد أنها تمتلك الحل النهائي، فهي لن تمنع قيام حركات جهادية جديدة تهدد أمن الدول والشعوب مستقبلاً.
الإرهاب الديني الجهادي ولد من رحم التطرف وبات في هذه الأزمنة واقعاً يندفع الجميع لمكافحته عبر شن المزيد من الحروب التي تولّد حالة الكره والسلبية تجاه دين بعينه وتزيد التطرف، فالمشكلة الفعلية التي تواجه العالم قائمة ما جري العمل على حل جذورها داخل المجتمعات المولّدة لها. إذ لا يوجد إرهابيون بالفطرة إنما هم نتاج ثقافي اجتماعي سياسي وحصيلة تناقضات وصراعات مجتمعية تحضّر التربة المثالية لنشر بذور الإرهاب، التي يتم تعزيزها استناداً للموروث الاجتماعي الثقافي وقيم وقناعات الأفراد، ويجري استنهاض العنف تحت فكرة الخلاص من الانقياد والحثّ على العودة للأصول بما تتضمنه من حالة الأمان التي يحققها الشعور بالاقتراب من أزمنة تم تصويرها على أنها البناء المتكامل الذي يرغب هؤلاء الأفراد العيش فيه، ليتم استثمار هذه المشاعر المتضاربة والعنف لاحقاً في لعبة السياسة والمصالح. التفاصيل الشائكة التي رسم مسارها الإرهاب الديني وطرق علاجه باستخدام إرهاب مضاد، والتي تتم ترجمتها الثقافية في تعزيز وإشاعة قيم العنف والكراهية عند أكثر من جيل ستجعل من دائرة الدم والعنف مستمرة وتستنهض جهاديين جدد ما لم يجر إيقافها من خلال بناء ثقافة عقلانية وآلية تفكير يتم تأصيلها تربوياً تنبذ الكراهية والإقصاء وترفض ممارسة التدمير والعنف بكافة أشكاله وتساهم في بناء السلام.