الحياة - تعمل إيران، من تلقيها صفعات متتالية، على رسم سيناريو جديد للتعاطي مع الاختناقات الخارجة كافة عن توقعاتها، على رغم أنها تفعل المستحيل من أجل ألا تختل بوصلة توقعاتها وتمضي لما هو مريح ومناسب لها ومربك ومستفز لمن هو حولها، كثير من الحلفاء الذين كانت تأخذهم على محمل التناقضات لم يعد من الممكن التعويل عليهم في المستقبل المقبل، وتلاشي هذا الأمل ناتج عن سوء سلوك الدبلوماسية الإيرانية وارتدائها عباءة ليست لها، بل وتجاوزها لأن تكون سيدة المشهد وصاحبة الحل والربط، كان إعدام نمر النمر، بوصفه إرهابياً حقيقياً وراغباً في المساس بأمن بلده وطعنه في محاولات مستميتة، حدثاً صريحاً وقاطعاً وغير قابل لبصيص من الأمل بأن ثمة شيء سيتغير في طهران، بل استمر الفضول الطافح بكل أنواع الكراهية والتأزيم، ونما التطفل على الشؤون الداخلية البحتة لبلدان الجوار بما لم يعد في خانة التحمل والقبول والتمرير، ستعمد طهران في مشوارها المقبل إلى صب الزيت على نار الطائفية وصراعاتها المقيتة، لأنها تثق جداً في هذه النار وأنها من أجمل ما يمكن أن تعبث به وتراهن عليه، مشروع الطائفية أهم مشروع لفريق الملالي فهو المشروع الذي جعلهم شيئاً طافياً على السطح وقادهم لواجهة الضوء المزيف والتوترات وصناعة مشهد إسلامي محتقن بحروب دينية من فوق وتحت الطاولة المتشنجة دائماً.
الموقف السعودي تجاه هذا الانفلات الإيراني المتدرج والمسلسل المزعج على فترات متفاوتة كان موقفاً حتمياً ولازماً استدعته سياسة طهران حين حاولت ببجاحة مطلقة استثمار أي حدث وصياغته بما يخدمها وتظنه ممهداً لتحركاتها ونفوذها وشعبيتها العائدة للخلف بالطبع ما دامت أساليبها هابطة ودليل حال سياسية بالغة السفه والغرور، هذا الموقف السعودي لم يكن ليحظى بالدعم في المحيط الإقليمي إلا لأنه يمثل شريحة كبيرة من المتذمرين من سياسات طهران والمتفقين على رغبة واحدة وأكيدة وهي نتف الريش وقص الأجنحة التي لم تعرف جيداً ما هي الأجواء الصالحة للفرد والتجول وهل كل فرد لها محاط باللباقة والاحترام أم لا. ما تمارسه إيران من تضليل لشعبها قبل تضليلها للشعوب ليس إلا مرارات مؤجلة التذوق.
وإن واصلت تصدير مسرح الفتن والتأجيج والتصعيد فستجر المنطقة إلى ويلات هي في غنى عنها، وحرائق لن يكن إطفاؤها بالكيفية والسهولة ذاتها التي تم بها الإشعال، السعودية لاتزال حاضرة بنفس طويل، وحديث ولي ولي عهدها الأمير محمد بن سلمان عن تجنب بلاده الحرب مع إيران لأن حدوث ذلك يعني بداية كارثة كبرى في المنطقة هو حديث ثقيل وعميق ودليل نقي على أن السعودية لم تمض إلا في ما يحمي كيانها وشعبها بعيداً عن أي صيد في الماء العكر، ورغماً عن أعداء وجدوا في الشجاعة السعودية فرصة ومحاولة لاستفزازها، السعودية لن تمضي في مستنقع التصعيد والمواجهة الصلبة فغاية ما يمكن أن تنتظره من طهران أن تتراجع عن كونها تمثل الخنجر السام في خاصرة الأمة باعتبارها داعمة للإرهاب وحاضنة له ومصفقة للتطرف أينما كان مرسوماً بريشتها المكسورة، وأن تعمل من قبل ومن بعد في طلاق الخيانة وممارسة مبادئ حسن الجوار والاستمتاع بالبناء والتعايش والسلام نيابة عن استمتاعها باحتضان الميليشيات ومضاجعة التطرف وركوب الطائفية.