الحياة - ظلّت إيران، منذ تحولها إلى جمهورية إيران الإسلامية في العام 1979، تمثّل عند الغرب رمزية النظام الشمولي وأيقونة الرجعية والعدو رقم واحد للفكر الليبرالي الذي يُراد له أن يقود العالم إلى الأمام، بينما تقوم إيران ومعها كوبا وكوريا الشمالية بجرّه إلى الوراء. وظللنا نحن العرب ننام باسترخاء تام على وسادة هذا الانطباع الغربي المريح والمطمئن لنا من تهديدات الجار اللدود، باعتبار أن الغرب الكاره له سيكفينا مؤونة القلق منه. خلال سنوات نومنا على وسادة الغرب، كانت إيران تسهر مع المؤسسات الغربية في حفلات تعارف وتواعد وتقارب. حتى إذا طلع الصباح واستيقظنا وجدنا إيران والغرب نائمين في الغرفة المجاورة على فراش واحد! كيف تغلغلت إيران إلى الفراش الغربي؟! كيف استطاعت أن تخترق المنظمات المدنية والمؤسسات الأكاديمية والشركات الإعلامية هناك، فتقلب الهجوم ضدها إلى دفاع، والتبرّم من سلوكياتها إلى تفهّم، والقطيعة الجماعية إلى اتفاقات ثنائية؟! وظّفت إيران كل الأوراق التي لديها في كسب معركة تحسين العلاقات مع العالم، فلعبت بكل ورقة في الملعب الملائم لها.
استخدمت ورقة (الثورة) لكسب فصائل عديدة من اليسار العالمي، خصوصاً في عوالم أميركا اللاتينية، الشغوفة دوماً بحديث الثورة ... أيّاً كانت وجهتها ومضامينها. واستخدمت ورقة (الجمهورية) لكسب شرائح من اليمين الغربي، بممارساتها الديموقراطية في التصويت والانتخاب، كسباً «نسبياً» بالطبع، ليس بالمقارنة مع الغرب فقط من جهة، ولكن بالمقارنة مع العرب من الجهة المناقضة. واستخدمت ورقة (الدولة المحافظة) والطهورية الروحانية، لكسب شرائح واسعة من المتدينين أو المحافظين المعادين لليبرالية / الامبريالية، خصوصاً في العالم العربي، وفي مناطق من آسيا وروسيا. واستخدمت ورقة (الحضارة الفارسية) لكسب أعداد فاخرة من المثقفين والأكاديميين من مختلف أنحاء العالم، ممن تتكئ على آرائهم مؤسسات التفكير ومؤسسات الإعلام العالمية.
وأخيراً، فقد استخدمت ورقة (التشيّع) ونصرة آل البيت ومظلومية الحسين (عليه السلام)، لا لاستعادة حق الحسين، بل لاستعادة حق إيران في الوجود! وقد قامت إيران بصنع أذرع من الكوادر والكفاءات، إيرانية وغير إيرانية، قادرة على التغلغل في مراكز صنع القرار أو تغيير الانطباع، بوسائل إقناع ذكية وهادئة لا تستخدم الدعاية الفجة. قامت إيران، وعبر لعبة الأوراق الخمس السابق ذكرها، بثلم سكاكين الإعلام الغربي عليها، ثم استبدالها بملاعق استثمارية عبر إقناع الدول الغربية بأنها شريك تنموي «وديع» ومستقر، وبديل عن الشركاء المضطربين في الجوار.
والآن، هل يكفي العرب من أجل إعادة توازن معادلة القوى في المنطقة من جديد، القيام بتعرية إيران وتشويه سمعتها المجمّلة وفضح ممارساتها المنافية لقيم (الجمهورية) و (الديموقراطية) و (الطهورية) و (الحضارية) و (المظلومية) التي تتلاعب بها بخفة ومهارة بين مسرحٍ وآخر؟! لا شك في أن هذه المهمة ضرورية وملحة، وستكون ذات تأثير قوي وفعال إذا تمت تأديتها بمهارة وإقناع يتجاوز سطحية الخطاب الإعلامي الغاضب، والسوقي أحياناً. لكن، على رغم أهمية تعرية «الجمهورية الإسلامية الإيرانية» أمام العالم، فهل هذا يكفي لتحسين سمعتنا؟!