العرب - هل حقا استيقظ العملاقان الاتصاليان فيسبوك وتويتر من غفلة طال أمدها، بعدما تمددت الدعاية الداعشية في وسائل التواصل الاجتماعي طولا وعرضا واختبأ الداعشيون الإعلاميون تحت شتى الأسماء والصفات، وطيلة سنوات ظلوا يبثون دعايتهم ويتواصلون مع شباب محتقن خارج من بيئات منغلقة وكتاتيب مليئة بالكراهية، سواء في البلدان العربية والإسلامية أو في أوساط الجاليات المقيمة في أوروبا خاصة. هناك كان يجري تبادل الرسائل النصية والصور وصور العمليات الوحشية التي كان التنظيم ينفذها بكل أريحية، لا يطالها لا سؤال ولا حظر، هذا فضلا عن مقاطع الفيديو الفظيعة التي كانت وربما ما تزال منتشرة في الموقع الشهير يوتيوب.
ربما هي المرة الأولى التي تطالب إحدى ضحايا الدعاية المسمومة تلك بمقاضاة تويتر من طرف سيدة أميركية فقدت زوجها على أيدي داعش، موجهة لتويتر اتهامات بأنه وفر للتنظيم “وصولا حرا” للموقع واسع الانتشار لنشر رسائله وتجنيد عناصر جديدة وجمع أموال طائلة، وهو ما نفته إدارة تويتر بالزعم أن التهديدات العنيفة والترويج للإرهاب لا مكان لها على تويتر كباقي المواقع الاجتماعية. ربما تبدو عملية “الفلترة” واعتراض الرسائل الداعشية متأخرة إن صحت عملية تنقية تلك المنصة من أولئك المقنعين المحملين بالدعاية المسمومة والكراهية، فالذاكرة لا تخوننا عندما كان تويتر تحت تصرف الدواعش يصدرون من خلاله بياناتهم وينشرون صور عملياتهم ويتواصلون مع قواعدهم، وهو خطأ فادح كان له أشد الأضرار على السلم الأهلي في كل مكان.
اليقظة نفسها صارت تتحدث عنها منصة فيسبوك في فرض مزيد من أنظمة المراقبة والتدقيق في ما ينشر في الوسيط الأزرق، بعدما شُملت هي أيضا بتلك الانتقادات وبعدما أغرقت في السكوت على إنتاج كم هائل من الصفحات التي تروج للإرهاب والتكفير والكراهية.
وتكشف قصة الزوجين اللذين نفذا عملية كاليفورنيا في مطلع شهر ديسمبر من العام الماضي كيف استخدما تلك الوسائط سواء لتلقي المعلومات أو للتعبير عن نواياهما الإرهابية، وهو مثال من أمثلة عدة.
في كل الأحوال بقي ولع التنظيم بالتغريدات عبر تويتر هو الطاغي، ويشير التقرير الختامي لقمة رواد التواصل الاجتماعي العرب المنعقد في دبي مطلع العام الماضي إلى حصيلة مفادها مثلا أن قرابة نصف مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي في العالم العربي يجدون في تويتر أفضيلة خاصة في دول الخليج ويعدونها مصدرا مهما من مصادر المعلومات.
لعل هذه الحقيقة كافية لإدراك أسباب لجوء المتطرفين إلى إغراق هذه المنصة بالتغريدات ولتمرير دعايتهم ونشر بياناتهم، وهي إشكالية تكشف المجانية وانعدام الضوابط التي أتاحت لهذه المجاميع التوغل في أوساط الشباب بسهولة وتكوين مجتمع افتراضي وفر أرضا خصبة للإرهابيين لكي يصلوا إلى جمهورهم المستهدف، فضلا عما رافق ذلك من تجنيد لشباب ضائع وبلا هدف وجد في تلك الأجواء المسمومة ضالته ليحقق ذاته بعدما أخفق في تحقيقها بالوسائل والأدوات الطبيعية.