الحياة - دانت منظمة التعاون الإسلامي في اجتماعها الذي عقدته بجدة يوم 21/1/2016 إحراق بعثات دبلوماسية سعودية في إيران، وكذلك التصريحات التحريضية من جانب إيران، وتدخلاتها في شؤون المنطقة واستمرار دعمها للإرهاب. وجاء في بيان وزراء خارجية المنظمة: «إن الاجتماع يُدين الاعتداءات التي تعرضت لها بعثات المملكة العربية السعودية في طهران ومشهد، والتي تشكل خرقاً واضحاً للاتفاقيات والقوانين الدولية التي تحمي حرمة البعثات الدبلوماسية وتفرض الحصانة والاحترام للبعثات الدبلوماسية المعتمدة لدى أية دولة». كما رفض وزراء خارجية المنظمة «التصريحات الإيرانية التحريضية فيما يتعلق بتنفيذ الأحكام القضائية الصادرة بحق عدد من مرتكبي الجرائم الإرهابية في المملكة العربية السعودية»، وطالبوا في بيانهم بالعمل على «نبذ الأجندة الطائفية والمذهبية، لما لها من آثار مدمرة وتداعيات خطيرة على أمن واستقرار الدول الأعضاء وعلى السلم والأمن الدوليين».
وقد رفض الوفد الإيراني هذا البيان، كما أعلن الوفد اللبناني أنه «ينأى بنفسه» عنه، بينما تحفظ الوفد الجزائري على الفقرة المتعلقة بتأييد السعودية في قطع العلاقات مع طهران.
قد قدمت الدول الخليجية مساعدات لا تُحصى لبعض الدول العربية، وساهمت وتساهم في بناء بناها التحتية بمليارات الدولارات، لكن بعض هذه الدول يبدو أنه لا يحفظ الجميل، وليس لديه القاموس الدبلوماسي الأخلاقي «للتعامل مع الأشقاء». لهذا، ارتفعت بعض الأصوات منادية بأن يتم تقنين تلك المساعدات، ووضعها في المكان الصحيح. فالتدخلات الإيرانية في الشؤون الداخلية لبعض بلدان المنطقة واضحة ولا تحتاج دليلاً، كما أن التلويح بالراية المذهبية لا يتناسب مع روح العصر. فالدين لله، ولا يجوز إرغام أي إنسان على سلوك أو اتباع مذهب معين. كما أن الأعراف والقوانين الدولية تحرِّم التدخل في شؤون الدول الأخرى، أو زعزعة الأمن والاستقرار فيها بأية وسيلة من الوسائل.
نحن ندرك أنه منذ عام 2003 دخلت إيران في العراق، وباتت حرمة هذا البلد العربي مستباحة، نتيجة تحالفات مذهبية قطّعت أوصال العراق، وشردت أهله بصورة لم يشهد لها التاريخ مثيلا. كما أن إيران لم تكف يدها عن التدخل في مملكة البحرين، وتعكير الأمن والاستقرار فيها، في انتهاك صارخ للقانون الدولي. كما حدث تهريب للأسلحة عبر إيران إلى الكويت وتخزينها، وبث الفرقة بين أبناء الشعب الكويتي على أسس طائفية. كما ثبت التدخل الإيراني السافر في لبنان، حيث ترتفع صور قادة طهران وأعلامها وشعاراتها في مناطق عدة من هذا البلد العربي الأصيل، انتصاراً للتحزب المذهبي.. التحزب الذي حاصر مضايا وقتل أطفالها ونساءها جوعاً.
ونلاحظ التمدد الإيراني أيضاً في اليمن، ومناصرته الحوثيين في خطف السلطة، وتقويض دعائم الدولة وقتل الشرعية، حيث أشعلت إيران حرباً هناك لم تضع أوزارها منذ حوالي العام. وأخيراً، جاءت التدخلات والاعتراضات الإيرانية على أحكام سيادية للمملكة العربية السعودية، وهو أمر لا يُقره دستور ولا ميثاق ولا عُرف دولي، إذ لم يسبق لأي بلد عربي أن احتج على ما تصدره إيران من قوانين وأحكام وتقوم بتطبيقها وتنفيذها، بما في ذلك آلاف أحكام الإعدام بحق مواطنيها من أهل السنة في الأهواز.
لابد من علاقات طبيعية ومتوازنة بين الدول العربية والإسلامية من جهة، وبين إيران من جهة أخرى. ولا يستطيع أي طرف الانسلاخ من حقائق التاريخ وحتميات الجغرافيا. لذا فالتعاون على أسس حسن الجوار، وهذا ما دأبت عليه دول مجلس التعاون منذ تأسيسه، والدفع بالعلاقات بين الطرفين نحو دعم إنشاء البنى التحتية لصالح الشعوب.. هي الخطوات المأمولة لإبعاد المنطقة عن شرور الحرب والتأزيم وإثارة النعرات المذهبية.
إن المجتمع الدولي، خصوصاً بعد التوصل لاتفاقيات جنيف وفك الحصار عن إيران، مسؤول عن ضبط التصرفات الإيرانية، والدفع بها إلى التجاوب مع دعوات مجلس التعاون لتأسيس علاقات حسن جوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للآخر، ومعالجة القضايا العالقة عبر الحوار، دون اللجوء لاستعراض القوة أو التأجيج المذهبي عبر الإعلام، في تغاضٍ عن حقوق شعوب المنطقة وضمنها الشعب الإيراني- في العيش بأمن وأمان وحرية ورخاء.