الرياض - حسناً فعل أعضاء وفد المعارضة السورية بذهابهم إلى جنيف؛ حيث تنطلق هناك مفاوضات تاريخية يُتوقع أن ترسي سلاماً انتظره السوريون، الذين أفرزت أزمتهم فواجع لم يشهدها التاريخ منذ أن وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها. وإن كانت المعارضة قد قررت -بعد تردد- الذهاب إلى جنيف تخوفاً من التفاف على "جنيف 1" وقرار "2254" وبيانه الذي حظي بإجماع دولي، فإن السبيل إلى نجاح المفاوضات الحالية -التي ينتظر أن تستمر حوالي 6 أشهر- مرتبط بمدى التزام الفاعلين والقوى الدولية الكبرى وعلى رأسها الولايات المتحدة وروسيا بمضامين البند خامساً من القرار "2254" الذي يدعو صراحة إلى وقف إطلاق النار، وانطلاق عملية سياسية، وتأمين المساعدات الإنسانية في المناطق المنكوبة.
إن القوى الدولية التي تتحمل جزءاً لا بأس به من تدهور الأزمة السورية نتيجة ترددها وإعمال مصالحها بعيداً عن مصالح سورية، وانعكاس ذلك بشكل سيئ على أمن المنطقة والأمن الدولي، ملزمة بإنجاح هذه العملية وفق ما تم الاتفاق عليه في جنيف وفيينا، وإن بناء سلام على أسس هشة تفتقد إلى حسن النوايا كمبدأ أساسي من مبادئ العمل السياسي، سيعتبر سلاماً هشاً لا يمكن البناء عليه؛ بل قد ينعكس بشكل أكثر سوءاً من الحاصل اليوم.
البحث عن اكتمال التسوية السياسية في سورية يبدأ من حيث قرر الشعب السوري منذ 5 سنوات بأن لا مكان للأسد، ووافقه على ذلك المجتمع الدولي والقوى الفاعلة، التي يجب ألا يتبادر إلى ذهنها محاولة تأهيل النظام، بل المحافظة على مسار عملية سياسية تضمن الحفاظ على مؤسسات الدولة، وتقود إلى تماسكها وتمنع انفلات البلاد.
إن الانتقال من مرحلة لا شرعية للأسد قولاً إلى كونها فعلاً أمرٌ محسوم، فلا مجال للوصول إلى حل مستدام إلا بسلطة انتقالية بصلاحيات تنفيذية كاملة، كما قرر ذلك بيان جنيف، وليست حكومة مع النظام، وإن أي نكوص عن هذا القول هو بمثابة إطلاق رصاصة الرحمة على جهود الأمم المتحدة وخيانة للشعب السوري الذي قتل منه 300 وشرد الملايين في أصقاع الأرض نظير ممارسات وحشية من قبل النظام الذي قصف مواطني سورية بالأسلحة الكيماوية والصواريخ الاستراتيجية والبراميل المتفجرة، وسلم البلاد إلى المليشيات الإيرانية الإرهابية والتنظيمات المتطرفة وزرع الفتنة الطائفية.
إن المملكة ملتزمة بتقديم الدعم للمعارضة السورية والشعب السوري للدفاع عن نفسه، وأخذ حقوقه، والحفاظ على هويته العربية وتعدد مكوناته، ولن تحيد عن ذلك أبداً، وهي ملتزمة في هذا الإطار بدعم الجهود الدولية والعملية السياسية، وتشجع على تعزيز رغبة المعارضة بدء تلك العملية من خلال النظام السوري لتقديم مبادرات حسن نية تجعلها على يقين بجدية الفاعلين في هذا الملف، وعدم الالتفاف عليها أو إدخالها في عملية تفاوضية لا طائل منها.