لن يغفل زائر للمملكة العربية السعودية هذه الايام عن الثورة الثقافية والتحول الكبير التي شهدته المملكة والذي يقطع تماما مع ما يشاع عنها ويصفها بالانغلاق والانزواء. تحول يظهر جليا من خلال سياسة عهد الملك سلمان بن عبد العزيز الذي يشجع على التقارب الثقافي مع الغرب، حيث يتم في السعودية استخدام موقع تويتر ببهجة وسرور، وكذلك يستخدم السعوديون البريد الإلكتروني ويعرضون أعمالاً مسرحية. الصحفي الألماني جوزيف كرواتورو زار المملكة واشاد بهذه الثورة الثقافية في مقاله لموقع قنطرة.
من الواضح في المجال الثقافي أنَّ الملك السعودي الجديد سلمان بن عبد العزيز آل سعود يواصل مسيرة الإصلاح التي بدأها سلفه، الملك عبد الله. إذ إنَّ عادل الطريفي، الذي تم تعيينه من قبل العاهل السعودي -البالغ من العمر نحو ثمانين عامًا- "وزيرًا للثقافة والإعلام"، لا يزال عمره خمسة وثلاثين عامًا فقط وهو حتى الآن أصغر شخص في هذا المنصب.
لقد شجَّعت الحكومة شعبها على المشاركة في الثورة الرقمية، فقد أصبحت الصفحات الخاصة على موقعي فيسبوك وتويتر أمرًا بديهيًا بالنسبة للكثيرين في البلاد، وكذلك أصبح النشر على الإنترنت. كما أصبح المشهد الإعلامي السعودي اليوم أكثر حيوية من أي وقت مضى حيث يوجد في المملكة العربية السعودية نحو ألفي صحيفة إلكترونية.
يبدو أنَّ ملك السعودية الجديد سلمان بن عبد العزيز آل سعود يقود من خلال إصدار المراسيم بعملية تجديد للأجيال في المناصب القيادية في هذه المملكة الخليجية المحافظة. وبشكل رئيسي يتم توجيه العمل الثقافي في السعودية من قبل مؤسَّستين: تتولى الأندية المعروفة باسم "الأندية الأدبية" رعاية الشعر والأدب وهي منتشرة في ست عشرة مدينة سعودية؛ ومن ناحية ثانية تهتم "الجمعية السعودية للثقافة والفنون" برعاية الفنون التشكيلية والمسرح والموسيقى والفلكلور، كما يوجد لها أيضًا ستة عشر فرعًا. وعلى العكس من هذه الأخيرة فإنَّ الأندية الأدبية تشهد تغييرًا هيكليًا، منذ أن بات مسموحًا لها لأوَّل مرة في عام 2011 اختيار مجالسها الإدارية بحرية.
بات يوجد الآن من بين أعضاء مجالس إدارة الأندية الأدبية نساءٌ أيضًا، وبالإضافة إلى ذلك أشخاصٌ لا يتناسبون مع طبيعة الأدباء السعوديين، وقد أثار ذلك جدالات وأدَّى إلى انسحاب بعض من أعضاء هذه الأندية.
تركت روح الإصلاح بصماتها أيضًا على فعاليات "الجمعية السعودية للثقافة والفنون". فمنذ فترة طويلة باتت تشارك هنا أيضًا نساء، يتم تنسيق كلِّ نشاط من أنشطتهن من قبل "لجنة المرأة". وقبل بضعة أعوام قامت ممثِّلات سعوديات هواة بتأسيس فرق مسرحية خاصة في العديد من المدن السعودية، وأصبحن يعرضن -فقط أمام جمهور من النساء- أعمالاً مسرحية، تتناول المشكلات اليومية للمرأة السعودية. وحول هذه الأعمال كتبت مرارًا وتكرارًا صحيفة "الرياض" الحكومة تقارير إيجابيةً.
وعلى سبيل المثال تم عرض مسرحية من أحدث هذه المسرحيات في شهر تموز/يوليو 2015 في مركز الملك فهد الثقافي في الرياض، ناقشت موضوع العنف الأسري. وفي شهر آب/أغسطس 2015 أثناء فعاليات مهرجان عكاظ السنوي في مدينة الطائف، لم يكن بالإمكان إغفال التحوُّل الثقافي، الذي يُمثِّل ضمنه المسرحُ السعودي مجرَّد مثال واحد فقط. وضمن سياق هذا الحدث، ظهر على خشبة المسرح مع موسيقى راقصة راقصون يرتدون ملابس غربية، أعلنوا عن أبطال المسرحية الحقيقيين، وهم: الكاتب الأمريكي اللبناني أمين الريحاني (1876 حتى 1940)، وزميله العربي نوفل والمستشرقان الفرنسيان الشهيران تشارلز هوبر وأنطوان-إسحاق سيلفستر دي ساسي، اللذان استعانا على خشبة المسرح بالريحاني فيما يخص قسمًا من قصيدة للشاعر لبيد.
وهذان المستشرقان الغربيان المعروضان في هذه المسرحية، واللذان يعتبران لدى المحافظين العرب من الشخصيات البغيضة، أثارا إعجاب الجمهور من خلال سعة اطلاعهما: وهذا التقدير الذي لقياه في الطائف على هذا النحو، ينطبق من دون ريب على كلِّ الغرب، الذي تحاول المملكة العربية السعودية التقرُّب منه ثقافيًا بحماس متزايد.