رسالة في البريد العزيز يوافق صاحبها على الرؤيا المشتركة حول أحداث النهار، لكنه يدعو، بطيبة ومحبة ومواساة، إلى الخروج من هذا الضغط النفسي. يقول: الأشجار المتساقطة تسد نهر الدانوب أحيانًا، لكنها تزاح وتستمر الملاحة وتصل السفن إلى موانئها. وفي دروبنا عوائق كثيرة لكن لا بد أن نصل ذات يوم. شكرًا. أنا لا أريد أن أزيد في نكد أحد. دائمًا أحاول البحث عن جمال، أو نُبل، في الماضي أو في الحاضر. لكن أحيانًا، أو دائمًا، تنهمر علينا الأمطار البركانية كالسيل، ولا أريد أن أبدو بعيدًا عن همومي وهموم أمتي وأهلي ورفاقي. دعني أقل لك إنني أتلقى معظم الأخبار العربية وكأنها آتية من لبنان، فإن لي في الأقطار أصدقاء تبعد بيننا الأوقات والمسافات، أما المشاعر فتزداد عمقًا. أتمنى أن تصدقني إذا قلت لك إنني أتابع أخبار الكويت والبحرين والمغرب ومصر كإنسان، وليس كصحافي. أقرأ الأخبار بفرح، أو تكدر، وليس من أجل مهنة صارت يومياتها بعيدة عني. أتطلع في الديار التي عرفتها وعشت فيها وعشت هناءها وازدهارها ونهوضها، ولا أستطيع أن أغض الطرف عما ينتابها. تأمَّلنا جيدًا: ليس خيارنا أن نكون أمة واحدة. لاحظ كيف تهد أخبار اليمن الجميع. لاحظ أنه ليس هناك عربي غير قلق من موريتانيا إلى عكا. أنا أكثر من قلق. أنا حزين. وأكثر ما يضني أنني لا أجد شيئا مفرحًا أكتب عنه كل يوم. في شارع من بيروت لا يزيد على 500 متر، رأيت 5 سوريات يَقتعِدنَ الأرض، وكل واحدة معها طفل أو طفلان. وينبغي أن يشعرن بالسعادة. لأن مئات الأمهات والأطفال فاضت خيامهم بثلوج وأمطار العاصفة التي طالت وعربدت هذا العام. ماذا تفعل؟ ترفع الأشجار من الدانوب؟ صورة شاعرية لا تُنسى. ولكن من يرفع الشعب العربي من الخيام والأرصفة؟ من يرفع من أمام أعيننا صور حلب وقد انهارت كلها بحجارتها الشهباء، وفرغت من أهلها، وحل الجوع محل نكهاتها وفنون طهيها المدلل والمتشاوف على باقي الطيبات في بلاد العرب والعجم؟ لقد أطبق على صدورنا هذا الانهيار المريع، وأسر أقلامنا وأحداقنا، ورمانا على قارعة اليأس والضياع. ونحن لا ننتشل الأشجار المتساقطة من الأنهر، نحن نرمي فيها الجثث والصخور، ونفجر سدودها، ونجوع الفلاحين على ضفافها، ونعامل الزارعين كالماشية. جرِّب أن تقرأ عن الأطفال المدمنين في الشوارع. لا أريد أن أزيد عليك. وشكرا في كل حال. *نقلا عن الشرق الأوسط