'طلعت ريحتكم'

العرب -يبدو أن بعض مثقفي لبنان لا يزال حتى هذه اللحظة يحمل أحقادا على المملكة العربية السعودية، رغم كل ما قدمته السعودية منفردة من مساعدات، ولم تكن المساعدات فقط لحكومة لبنان من أجل إعادة بنائه وإعماره وتشغيل مولداته الكهربائية التي أصيبت نتيجة عبث ومراهقة حزب الله ووضع لبنان في مواقف محرجة، معبرا بذلك عن عدم احترامه لحكومته الرئيسية، والتي يحق لها، وحدها، أن تدير أحوال البلاد داخليا وخارجيا، وليس حزبا أشبه بالنبات الشيطاني يعتقد جازما أنه ليس مجرد حزب طائش أو مجنون، فمنذ متى يعترف المجانين بأنهم فاقدون للأهلية؟

حزب الله يتعامل مع دولته وكأنه دولة داخل دولة، ولبنان لم يكن الدولة الوحيدة التي كانت على أهبة الاستعداد لقبول أي هبة أو منحة من الدول النفطية، وإنما في الحقيقة هناك طابور طويل من الدول التي تقف في انتظار المساعدات من الدول النفطية، وكأن النفط لا يُراد لهُ أن يكون لأهل الصحراء والبحر الذين عانوا عقودا طويلة من الفقر ومرارة الجوع والانتقال من أرض إلى أخرى، فقط للمحافظة على البقاء. لكن كل ما قدمته المملكة العربية السعودية يبدو أنه ذهب طي النسيان، وربما لو أن ربع المليارات تدفقت نحو جيوب بعض الإعلاميين والمثقفين اللبنانيين، فلن نسمع كل هذا الضجيج المضطرب الذي يوجه، من دون توقف، لكل ما تقوم به حكومة المملكة.

لا أعرف أي درجة يمكن لنا تحمّلها من ضغائن البعض والمحملة بإرث طويل من الحسد والاستعلاء الدائم، وهم يدركون أنهم ما عادوا بلاد الشام كما في ستينات وسبعينات القرن الماضي، حيث يذهب إليها البدوي لكي ينهل من معارفهم ويستمتع بفنونهم. بكل بساطة سُحب البساط الثقافي من تحت أقدام أرضهم منذ سنوات، ليتم فرشه وبصورة أكثر تواضعا وتقديرا في أرض الخليج. 

في الحقيقة لبنان يبحث عن رئيس دولة يسرق أقل من أعضاء الحكومة، وبدلا من محاولة إيجاد الحلول من المثقفين والمفكرين، تجدهم يهربون منها بمحاولة التشويش والتحريض على الدول الصديقة، وكنت أتمنى أن يبقى المثقفون يدا بيد مع المواطنين وأغلبهم من الشباب، حتى لا تتكرر تلك الظاهرة العجيبة والغريبة والتي جاءت باسم “طلعت ريحتكم” .تخيلوا بلدا يمتاز مواطنوه بالأناقة والشياكة ويتصدرون المجلات العالمية في عروض الأزياء، يعاني لفترة طويلة بسبب تراكم النفايات في شوارع بيروت وسائر المناطق، وسط عجز سياسييه عن معالجة الأزمة.

لبنان يعيش عجزا كبيرا بسبب الفساد المستشري بين الساسة والزعماء الذين يمثل كل واحد منهم طائفة معيّنة من مكونات المجتمع اللبناني المعاصر، وكان قسما منهم من زعماء وأمراء الحرب الأهلية اللبنانية، وبدلا من أن يتصدى إعلاميو لبنان لحل أزماتهم، والمساهمة في زيادة وعي المواطنين، ومحاولة إيجاد حلول للبطالة وهروب الشباب إلى الخارج، وغلاء أسعار العقارات، وازدياد الدين العام الحكومي، وكف يد حزب الله العابثة بتوريط الدولة وإدخالها في حروب مختلفة، يهرب كتاب الصحافة نحو المملكة لمحاولة التدخل في شؤونها الداخلية وحتى الخارجية، ووصل الحال إلى أكبر من هذا الفضول القاتم.

لقد حاول البعض منهم النيل والتعدي على مثقفي السعودية، واتهامهم بأنهم مجرد أبواق لحكومتهم. ويبدو أن عدم وجود رئيس دولة في لبنان جعل البعض منهم في حال انزعاج وغضب داخلي، لذا فهو يجد لذة لا متناهية في محاولة البحث عن عيوب الدول الشقيقة، وربما قد يشفي هذا البحث الغضب المتفجر الذي يملأ قلوب البعض.

وإن قال بعض الصحافيين والإعلاميين في لبنان إن مثقفي المملكة ما هم إلا أبواق أو صدى لقرارات الحكومة في السعودية، فما الذي يزعج المثقف اللبناني؟ أم أن مشكلة القمامة لا تزال قائمة في عقول البعض، نتيجة ما يحدث من مشاهد يومية مؤثرة، وهو لا يستطيع فعل أي شيء، بينما وطنه يتهاوى اقتصاديا وسياسيا أمام ناظريه شيئا فشيئا، في حين يذهب بعيدا في محاولة منه لتصنيف مثقفي الخليج العربي إلى من هو مكبر الصوت، ومن هو صدى لحكومته.

هذا الغرور الذي يتربص ببعض المثقفين في بعض الدول العربية لم ينته حتى ودولهم تتهالك بطريقة مسرحية تراجيدية.