الرياض - باستمرار ثمة ضرورات عديدة لرصد أهم المتغيرات الإقليمية المؤثرة في مسيرة دول الخليج العربي على مختلف الصعد والمستويات.. وإلى أي حد قادرة دول المنطقة على تحويل هذه التحديات المستجدة إلى روافع تخدم وتعزز أمن واستقرار دول المنطقة.. وهل ثمة مقاربة أو رؤية خليجية مشتركة في التعامل مع هذه المتغيرات وانعكاساتها الأمنية والسياسية والاقتصادية والاستراتيجية على راهن الخليج ومستقبله..
وإذا كانت هناك تفاوتات في المقاربات الخليجية تجاه هذه المتغيرات والتحولات الإقليمية، هل تحول هذه التفاوتات دون قدرة دول الخليج العربي على التعامل الفعّال مع متغيرات الإقليم؟
هذه الأسئلة وغيرها، هي ما نحاول الإجابة عنها، في سياق قناعة مركزية تطل بآفاقها على مجموع التحولات والمتغيرات التي تجري في المنطقة، أو تؤثر فيها على نحو مباشر.. وهذه القناعة المركزية أن المنطقة بأسرها على أكثر من مستوى، تعيش حالة السيولة السياسية، بمعنى لحظة عبور من نظام إقليمي سابق، بدأت تتآكل بعض مكوناته ومفرداته، وبرزت قوى جديدة تمتلك الفاعلية والدينامية في التأثير الإقليمي..
وإن هذه اللحظة بكل تداعياتها ستؤثر بشكل مباشر في دول الخليج العربي أمناً وسياسةً واقتصاداً..
ولو تعمقنا في خريطة الأحداث الكبرى التي تؤثر في منطقة الخليج العربي، لوجدنا أن أحداث وتطورات دول الشمال العربي، هي المصدر الأساس اليوم الذي يؤثر في أمن واستقرار دول الخليج العربي..
فما يجري من أحداث سياسية وأمنية في العراق، في ظل غياب أو ضمور وتراجع دور الدولة العراقية، يلقي بظلاله الثقيلة على دول الخليج العربي..
وأحداث العراق خلال العشرية المنصرمة، ليست قليلة أو محدودة، وإنما هي أحداث مثقلة بمضامينها الأمنية والسياسية التي تؤثر بشكل مباشر في دول وشعوب الخليج العربي.. وما دام العراق لم يتجاوز أزماته، ولم يعالج مآزقه الأمنية والسياسية، ستبقى دول الخليج العربي تحت تأثير الحدث العراقي بكل تداعياته وتحولاته..
ولعل من أبرز هذه الأخطار غياب الدولة العراقية، وبروز تنظيمات سياسية وعسكرية تقوم بدورها بوصفها هي الدولة العراقية..
فالدولة العراقية الحديثة حينما تتفكك فإن التأثير المباشر على هذا التفكك يصيب الخليج بشكل مباشر، إضافة إلى انفجار الهويات الفرعية العراقية.
وأضحى العراق أكثر من عراق، وأكثر من سياسة مع طبيعة التنافس أو الاحتراب الذي يجري في الساحة العراقية بين مختلف المكونات..
وإذا لم يتمكن العراقيون من بناء دولتهم العراقية الموحدة، ستبقى تحولات العراق خطيرة على أمن واستقرار منطقة الخليج العربي..
والذي يزيد أحداث العراق تأثيراً على دول الخليج العربي، هو غياب رؤية خليجية واحدة وموحدة في طريقة التعامل مع العراق الجديد..
ولا تختصر تأثيرات الشمال العربي على تطورات المشهد العراقي ومتغيراته العديدة، وإنما أيضا الحدث السوري والذي يلقي بظلاله المباشرة على أمن واستقرار دول الخليج العربي..
ونود أن نوضح طبيعة تأثير الحدث السوري على الأمن الخليجي في النقاط التالية:
من حق الشعب العربي السوري، أن ينعم بالحرية والديمقراطية وأن يطور تجربته السياسية، ولا يمكن لأي طرف أن يقف ضد تطلعات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية وبناء نظامه السياسي على أسس التداول والانتخاب والتمثيل الشعبي..
ولكن مركزية سورية جعلت من هذه التطلعات الشعبية، تتقاطع بشكل مباشر، مع العديد من المشروعات السياسية، التي لا تتعامل مع الديمقراطية بوصفها هي الحل النهائي والمطلوب..
وإنما هذا التقاطع أفرز خيارات سياسية تتعلق بطبيعة الدور الإقليمي السوري وموقع سورية في معادلة الصراع العربي - الصهيوني.. وطبيعة الخيارات السياسية السورية، التي لا تتناغم وتطلع الشعب السوري في الإصلاح والديمقراطية.. كما أن هذا التقاطع جعل المشهد السياسي السوري برمته، مكشوفاً أمام الإرادات الإقليمية والدولية.. وهذا الانكشاف ومتوالياته، جعل الملف السوري في مربع الاستخدام من كل الإرادات والخيارات، ما عقد بالأزمة السورية، وأضحت الحلول المقدمة أقرب إلى التسويات الإقليمية والدولية، التي ليست بالضرورة تفضي إلى الاقتراب السياسي من ملف الإصلاح والديمقراطية.. ما جعل من الجرح السوري ينزف دماً وبشراً بدون أية حلول متاحة وممكنة في المدى المنظور، إلا الحلول الدولية التي لا هم لها بشكل مباشر في ملف الإصلاحات السياسية السورية..
ونحن نعتقد أن المشكلة العراقية بكل تداعياتها، أضحت اليوم من المشكلات المباشرة التي تؤثر في أمن واستقرار دول الخليج العربي.. كما أن المشكلة السورية بكل عقدها واللاعبين الكبار فيها، أضحت أيضاً من مصادر التهديد لأمن واستقرار دول الخليج العربي، ويضاف إلى هاتين المشكلتين، المشكلة اليمنية، التي تلقي بكل تأثيراتها المباشرة على أمن واستقرار منطقة الخليج العربي..
وهذا الواقع بطبيعة الحال، يفرض على دول الخليج العربي، خيارات سياسية فعالة ومؤثرة للتخفيف من تداعيات وتأثير هذه المشكلات.. ونرى أن هذه الخيارات تتجسد في النقاط التالية :
- الفعالية السياسية والدبلوماسية في إطفاء هذه الخرائب الأمنية والسياسية.. لأننا نعتقد أن استمرار هذه الأحداث مشتعلة، يصعّب كل احتمالات الحلول السريعة لهذه الأزمات والمشكلات.. بينما المصلحة الخليجية تقتضي الوصول إلى تسويات وحلول سياسية سريعة لهذه الأزمات العراقية والسورية واليمنية.
- غياب أو تراجع دول الخليج عن رعايتها السياسية لهذه المشكلات، يفتح الطريق واسعاً، أمام الإرادات الإقليمية والدولية للتأثير المباشر على هذه الأحداث وتطوراتها الاستراتيجية.. ولا أرى أن دول الخليج العربي من مصلحتها أن تتدخل الأطراف الإقليمية والدولية في إدارة هذه الملفات الشائكة. لأن هذه الإدارة ستقودها إلى حلول، ليست بالضرورة منسجمة ومصلحة دول الخليج العربي..
- ثمة ضرورات أمنية واستراتيجية كبرى، لبناء تفاهمات إقليمية ودولية حول هذه الملفات والمشكلات.. وأرى أن من مصلحة دول الخليج العربي ألا تتحمل وحدها مسؤولية إدارة هذه الملفات للوصول إلى تسويات وحلول سياسية مرضية لجميع الأطراف..
مع أهمية العمل على استبعاد كل المجموعات الإرهابية، التي استفادت من أجواء المشكلات الأمنية والسياسية، وبنت واقعها في هذه الدول بعيداً عن القانون ومقتضيات الاستقرار السياسي العميق في المنطقة..