العرب - يقول الكاتب التركي الحاصل على جائزة نوبل في الأدب عام 2006، أورهان باموق، إنه أحب فيكتور هوغو في روايته “البؤساء”، من أجل الطريقة التي نقل بها كيمياء مدن عظيمة، والدراما المثيرة لشوارعها، وللطريقة التي استطاع أن يظهر بها المنطق الذي يمكن به لشيئين لا علاقة بينهما على الإطلاق أن يحدثا.
أحب باموق في هوغو العظمة من خلال الدراما المثيرة، ومفهومه المرتبط بالسياسة كبطل للحقيقة والعدالة، وهو ما استطاع أن يترك أثرا عميقا على الأدب العالمي. حديث باموق عن محبته الكبيرة لهوغو، جعلني أؤمن بأن هناك أوجها كثيرة تنقل وجهة نظرك تجاه ما يحدث في عالمك، ورؤيتك التي يمكن أن تدلل عليها إما عبر أبطالك في رواية أو في قصة. لم يعد منبر السياسة وحده يكفي لأن يقود فكرا ودولة أو حتى يمكنه أن يجعل أحد المواطنين في شعوب أخرى يستطيع أن يحصل على أرفع الجوائز العالمية، ولكن هذا ما حدث. إيمان هوغو الأخلاقي والسياسي الواعي، جعل كاتبا في إسطنبول يدون مقطوعة شاعرية عن هذا الرجل، ويدين له بتمكينه من رؤية الجانب الآخر للمجتمع الفرنسي في العام 1832. ولكن ماذا لو أن فيكتور هوغو عاش حتى الآن، واستمتع أكثر باللامنتهي من الحريات التي كفلت للعديد من الشعوب، سواء أكانت حرية مغتصبة أو حرية كفلها لهُ القانون، هل كان سيبدع في رواية أكثر جرأة وإنسانية من “البؤساء”؟ هذا التساؤل جذبني لما أحدثه النائب الكويتي عبدالحميد دشتي، حينما استخدم صلاحيات القانون الكويتي والذي ينص على أنه وفقا للمادة 19 من اللائحة الداخلية لمجلس الأمة الكويتي، “أن عضو مجلس الأمة حر في ما يبديه من الآراء والأفكار بالمجلس أو لجانه، ولا تجوز مؤاخذته عن ذلك بحال من الأحوال”، كما أن المادة 20 تنص على أنه “لا يجوز أثناء دور الانعقاد في غير حالة الجرم المشهود أن تتخذ نحو العضو إجراءات التحقيق أو التفتيش أو القبض أو الحبس أو أي إجراء جزائي آخر إلا بإذن المجلس، ويتعين إخطار المجلس بما قد يتخذ من إجراءات جزائية أثناء انعقاده على النحو السابق، كما يجب إخطاره دوما في أول اجتماع له بأي إجراء يتخذ في غيبته ضد أي عضو من أعضائه، ويجب لاستمرار هذا الإجراء أن يأذن المجلس بذلك. وفي جميع الأحوال إذا لم يصدر المجلس قراره في طلب الإذن خلال شهر من تاريخ وصوله إليه، اعتبر ذلك بمثابة إذن”. تطاول النائب دشتي بغباء منقطع النظير على المملكة العربية السعودية، إبان بدء عملية “عاصفة الحزم” في الوقت الذي ترفض فيه دول الخليج أي مساس لعلاقاتها مع دول الجوار، أو محاولة بث الفرقة وتأجيج الرأي العام، لكن دشتي يبدو أنه استفاد من القانون الذي يحميه، فلجأ عدد من النواب في المجلس للمطالبة بإسقاط الحصانة عنه، حتى تتمكن الدولة من محاسبته على إسقاطاته الخادشة، خاصة أن العلاقة بين السعودية والكويت عميقة، ولا يمكن لقزم ضئيل أن يهدمها أو حتى يضعها في مأزق، لكن هذا ما فعله دشتي بلا مبالاة أو حتى تقدير لدولة الكويت، وما يمكن أن يحدث عقب ما ثرثر به من شتائم. تميز هوغو كما قال أورهان باموق بميله إلى العظمة، ولكنه كان يستحق هذه العظمة التي شعر بها أو حتى عايشها، وأظن أن دشتي لديه شعور بالعظمة ولكنها عظمة فارغة ولا تحوي قيمة أو ثبات، وقد ساعده في ذلك ولعه بالتباهي وتشدقه بأنه قادر على أن يزعزع دولة كبيرة مثل السعودية. ربما تجرفني مشاعري لكوني مواطنة سعودية، وأرفض ما يفعله البعض من تجاوز وتطاول، وعلى الأخص في ظل هذه الظروف الراهنة، ونحن جميعا نجلس فوق صفيح ساخن من تسارع للأحداث العربية ومجريات الأمور المقلقة. عتبي على دولة الكويت أنها لم تتمكن من أن تلجم دشتي ولم تتعرّف بعد على رغبته في توريطها بمواجهات مفتعلة بينها وبين دولة شقيقة كالسعودية، وبالتأكيد أنا سعيدة بما قام به النواب الكويتيون، لكن يبقى على الدولة أن تسنّ قانونا يجرّم حتى على النواب شتم الدول الصديقة، إذا ما كان هدفها زرع الفرقة الطائفية، ولم يكن عبدالحميد دشتي سوى بوق آخر من أبواق الحزب الإرهابي “حزب الله”، وإلا كيف استطاعت الدولة أن تتجاوز الصورة التي نشرت لدشتي، وهو يقبّل رأس عماد مغنية، الذي شارك مع إحدى المجموعات في تخطيط عمليات التفجير والتخريب التي جرت في الكويت في شهر ديسمبر عام 1983، واستهدفت منشآت وسفارات أميركية وفرنسية وكويتية، كما اتهم بالمشاركة في خطف طائرة الركاب التابعة للخطوط الجوية الكويتية “إيرباص” إلى طهران، في محاولة للإفراج عن المعتقلين 17 لكنهم فشلوا في تحقيق الهدف وكان ذلك عام 1984 وانتهت العملية بعد 6 أيام عندما اقتحم كوماندوس إيرانيون الطائرة. كما شارك في خطف الطائرة المدنية الكويتية “الجابرية” عام 1988 وانتهت بعد رحلة عذاب طويلة عندما استسلم الخاطفون في مطار الجزائر للسلطات هناك، واستشهد على إثرها مواطنون كويتيون في مطار لارنكا بقبرص عندما رموا جثثهم من الطائرة. كيف يمكن لدولة الكويت أن تنسى؟
|