الرياض - في أي خبر عن داعية سواء داخل المملكة أو خارجها ستلاحظ في طيات الخبر تتردد كلمة (مرافقو الشيخ). مسألة أن يكون للشيخ مرافق دفعتني للتأمل. ثمة تمييز صغير بين مرافقي الشيخ ومرافقي الشخصيات الكبيرة في صيغة الخبر. المرافقون مع الشخصيات الكبيرة يطلق عليهم الوفد المرافق أما مع الشيخ فيكتفى بقول مرافقي الشيخ. ما الفرق بينهما وما دور مرافقي الشيخ عند مرافقته إذا عرفنا أن الوفد المرافق مع الشخصيات السياسية يشير إلى الخبراء الذين سيشاركون في المباحثات حتى انك تستطيع أن تعرف طبيعة المباحثات من أسماء أو صفة أعضاء الوفد المرافق. الداعية يسافر إلى البرازيل أو الفلبين أو تركيا أو قطر للدعوة إلى الله. لا أظن أن المباحثات مع الكفار والمشركين تحتاج إلى خبراء أو تحضير ملفات.
جرت العادة في أوساط المحاضرين وأساتذة الجامعات والمثقفين أن المحاضر إذا تلقى دعوة من أي جهة يذهب وحيداً حاملاً شنطته الشخصية بيده اليسرى تاركا يده اليمنى تمسمس البشت وتجري المصافحات. في هذا وفي نقاط أخرى جوهرية يفترق المثقفون عن الدعاة. وإذا كان الكتّاب والمثقفون يفترقون عن الدعاة في مسألة التعامل مع البشت إلا انهم حتما يفترقون أكثر عن الدعاة برائحة العود والبخور وبعض اللمسات الباريسية وبالطبع في نوعية البشت وماركته. لا تثريب على الطرفين. لكل مهنة أدواتها وعدتها وتقنياتها.
من حسن الحظ أن يصدر هذا المقال أثناء فعاليات معرض الكتاب. إذا أردت أن تعرف الفرق الجوهري بين المثقفين والدعاة انتظر عند مدخل معرض الكتاب الداخلي وراقب دخول أي من دعاتنا الأفاضل أو أي من أخواننا المثقفين. لن ترى بإذن الله داعية يسير وحده وخاصة في المناسبات الجماهيرية. ستلاحظ أربعة إلى خمسة شباب يسيرون بصحبته وإذا حسبت السائق الهندي المسلم يصعد الرقم إلى ستة.
صادف عندما كنت مسؤولاً إعلامياً في النادي الأدبي بالرياض في التسعينات من القرن الميلادي الماضي أن فرض علينا الزمان استضافة دعاة لإلقاء محاضرات عن فساد الزمان. في إحدى الأمسيات خرجت مع ثلة من الحداثيين لاستقبال شيخ من نجوم الصحوة الصاعدين. بعد ربع ساعة من الانتظار قضيناها في مراقبة قطوة عالقة في برميل القمامة توقفت سيارة فاخرة ثم سيارة أخرى أقل فخامة. نزل شيخ في منتصف العمر من السيارة الأولى وعلى الفور نزل من المقعد الخلفي لسيارة الشيخ شابان وثلاثة شباب من السيارة المرافقة. رغم أن هؤلاء الشباب أصغر من الداعية سناً إلا انهم يشبهون الشيخ في ثيابهم القصيرة وإطراح العقال ولحاهم الغزيرة مع احترام تميز الشيخ عنهم بلبس البشت. (لم تكن البشوت الفاخرة في ذلك الزمان من ضرورات الدعوة إلى الله).
قبل أن نتقدم من الشيخ لمصافحته والاحتفاء بقدومه سمعته يترنم ببيت شعري قديم تضمن شيئاً من وصف قطة. من الواضح أنه لاحظ القطوة ولاحظ اهتمامنا بها فقرر تزويدنا بمادة أدبية قد نحتاجها إذا أردنا الهداية. حسبناها كحداثيين لمسة ذكاء وسرعة بديهة وخفة دم. بيد أن الشباب المرافق للشيخ أعطوا المسألة عمقاً دعوياً. سمعت أحد مرافقي الشيخ يقول للمرافق الآخر: أحاط علمه بكل شيء حتى بالقطاوة يا فهد. فقال فهد محتفياً بهذه الملاحظة القيمة : يا أخي الشيخ عبدالله يحب الطرافة وله قفشات كثيرة وغزير الحفظ . أما الثالث فقد رأى فيها جانباً فقهياً لا يستهان به. فسأل شيخه، يا شيخ عبدالله هلا تعرضت إلى جانب الرفق بالحيوان في محاضرتك. ثم أردف مزوداً الشيخ بالنقطة الأساسية المطلوبة: هؤلاء التغريبيون الذين يطنطنون بمنظمات الرفق بالحيوان في بلاد الغرب هلا كشفت لهم أننا سبقنا الغرب في هذا المضمار بمئات السنين. دون إعداد تشكل موضوع في غاية الخطورة يمس الأمة من مجرد قطوة عالقة في برميل. إذا كان هذا هو دور المرافقين للشيخ فلا شك يحمدون عليه لكن السؤال من يدفع ثمن تنقلهم وتذاكرهم وفنادقهم إذا سافروا معه خارج المملكة.