العرب - من هو المتضرر من حدوث أي عملية إرهابية تتم في العالم؟ سؤال لا نحتاج للتفكير فيه كثيرا. المتضرر هو نحن. حينما نتحدث عن أوروبا والولايات المتحدة لن يكون هناك متضرر من هذه العمليات إلا المقيمين على أرضهما. المشكلة أيضا أن المقيمين على أرضها لديهم أرضية لم يجدوها في أوطانهم، ولديهم نظام يحلمون بتحقيقه واقعا في أرضهم للعشرات من السنوات.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن، طالما أن المقيمين بتلك الديار يملكون ما لا يملكونه في أوطانهم، كما أن تلك الدول وفرت لهم نظاما معيشيا يستحيل أن يجدوه في بلادهم الأصلية، ووفرت لهم الأمن والأمان، ولم تتعرض لهم في عقيدتهم أو عبادتهم أو مأكلهم ومشربهم ومنامهم وعملهم إلخ، ما الذي يدعوهم إلى القيام بأعمال إرهابية؟ أليسوا بذلك يدعون تلك الدول إلى اتخاذ خطوات ليست في مصلحة المقيمين الآخرين، فإن فعلوا فهل اقتصر إجرامهم على فئة واحدة من الناس؟.
لنبدأ من تركيا التي دعا رئيسها إلى عظمة السلطنة العثمانية و”سفر برلك” عام لمواجهة الإرهاب، كما بثت وكالة الأناضول التركية اتهاما لـ”داعش” بتنفيذ العمليات الإرهابية في تركيا، وأن ثلاثة من أفراد التنظيم دخلوا تركيا للقيام بعدد من العمليات الإرهابية الجديدة بعد تلقيهم أوامر بذلك على أن تكون في أماكن عامة ومكتظة. ولكن الوكالة لم توضح كيف عرفت عنهم وكيف تم السماح بدخولهم؟ أم أنهم كانوا متواجدين في تركيا لسبب ما ثم غيروا توجههم وأصبحت تركيا هدفا لهم بعد الخلاف التركي – الإيراني؟ هذا لأن داعش إيراني أساسا. هل يعقل ذلك؟ ربما، ولكن الوكالة لم تتحدث عن ذلك، بل أشارت أيضا إلى وجود تهديدات من “صقور حرية كردستان”. لكننا نحن هنا نلاحظ أن العمليات الإرهابية التي شهدتها تركيا مؤخرا كانت بعد الخلاف التركي – الإيراني في سوريا. هل هذا يعطي انطباعا بشيء ما؟
|
الحقيقة أن إيران سعت، ومازالت، تسعى إلى شيطنة السنة باستغلال المتطرفين منهم في عمليات إرهابية في أوطانهم أو في الولايات المتحدة أو أوروبا. الحديث الآن هو حول أوروبا التي تلقت فيها العاصمة البلجيكية بروكسل عدة انفجارات. تلك القارة تعرف تماما “خط الجرذان” الذي يربط بين القاعدة وإيران، هذا الاسم ليس المقصود به “خط الجرذان” الذي أنشأته المخابرات الأميركية في الألفية الثالثة والذي يعكس اتفاقا أميركيا – إخوانيا وبتمويل قطري وتركي لسحب مقاتلي الإخوان الليبيين والتونسيين من سوريا ونقلهم إلى ليبيا للقتال ضد قوات حفتر وثوار الزنتان، بل هو تسمية إيرانية لخط آخر تم في تسعينات الألفية الثانية لنقل مقاتلي تنظيم “القاعدة” بشكل عام، والذي استفاد منه أسامة بن لادن وسيف العدل وأبومصعب الزرقاوي بشكل خاص. وهو ما يعني ببساطة إمكانية تكرار هذا الخط ومنح أعضاء وأفراد تنظيم “داعش” هذه المرة فرصة استخدامه.
اسم الخط أو الممر يعطي انطباعا سيئا عن مستخدميه الذين لا تراهم إيران سوى فئران، وهذا ليس بالمستغرب من الدولة الفارسية التي تتلاعب بتلك التنظيمات وقادتها. اسم لم يتسبب في تحريك مشاعر الكرامة عند القاعدة والدواعش الذين لا شك أنهم يعرفون أنهم مجرد فئران صغيرة في ساحة الدولة الفارسية. عملية التنقلات التي تمت بين الأشخاص المشتبه بانتمائهم إلى تنظيم “داعش” في المدن الأوروبية، ومسألة تجاوز نقاط التفتيش هي مسائل قابلة للتساؤل والدهشة ولا يمكن استبعاد استخدام “خط الجرذان” مرة أخرى. هنا ليس اتهاما لإيران بل هو ما يشبه التأكيد، أو فلنقل، الدعوة إلى التأكد من ذلك من خلال البحث الاستخباري وعدم الاعتماد على بيانات “داعش” واعترافاته فقط لكي لا يتم استبعاد الخصم الرئيسي في هذه العمليات التي تمت في بروكسل، وتتم في غيرها.
ولعل من الملاحظ للجميع أن “القاعدة” ثم “داعش” لم يستهدفا سوى الدول العربية كالسعودية، ثم العراق وسوريا وتركيا. والحقيقة أنني على قناعة تامة بأن “داعش” هو اليد اليمنى لإيران التي لم تتعرض لأي هجوم من أي نوع رغم العداء العقدي بين الطرفين، بل إن ما يحدث هو ضرب لكل مراكز القوى في تبادل أدوار بين الدواعش من جهة، والميليشيات الإيرانية التي تلبس الثوب العربي. مثال ذلك ما يحدث في العراق حيث يعلن “داعش” عن تواجده في المحافظات التي ترفض النفوذ أو التواجد الإيراني، ثم تقوم ميليشيات الحشد الشعبي العراقية بالدخول بحجة مواجهة التنظيم الذي انسحب أو لم يتواجد أساسا، وتبدأ تلك الميليشيات في تهجير السنة واستبدالهم بمواطنين من أفغانستان وباكستان وإيران. هذا المشهد تكرر أيضا في سوريا في عدة مناطق منها القلمون والزبداني.
وها هي بروكسل التي لم تكد تعلن عن رغبتها في إلقاء القبض على نجم العشراوي والمعروف بسفيان كيال والذي سافر إلى سوريا عام 2013 وعاد من القتال فيها، حتى تعرضت لعدة أعمال إرهابية في المطار وفي مترو الأنفاق، بالإضافة إلى ما عثر عليه رجال الأمن في جامعة بروكسل وتفجير الجيش البلجيكي لسيارة مشتبه بها في ضاحية إكسل جنوب بروكسل. هذا المطلوب هو شريك صلاح عبدالسلام الذي اعتقلته بروكسل الجمعة الماضي على خلفية تفجيرات باريس، والذي أدلى ببعض الاعترافات عن عمليات إرهابية وشيكة الوقوع وأنه يعتبر واحدا من مجموعة من المتورطين معه.
الحقيقة أن بروكسل تعرضت لعدد من العمليات الإرهابية خلال السنوات القليلة الماضية، ومنها حادث الاعتداء على المتحف اليهودي في عام 2014، والاعتداء على قطار تاليس الدولي بين بروكسل وباريس في العام 2015، كما تم إحباط عملية في فرفييه شرق بلجيكا. وكانت السلطات البلجيكية قد صرحت عن طريق وزير خارجيتها في اجتماع “مؤسسة صندوق جيرمان مارشال الأميركية” بأن التحقيقات الأولية مع صلاح عبدالسلام أشارت إلى أنه كان يريد القيام بعمل إرهابي وشيك.
نعم، لم يكن صلاح عبدالسلام بل هي مجموعة من رفاقه في التنظيم لتتعرض عاصمة الاتحاد الأوروبي بروكسل لأكبر عملية إرهابية في تاريخها. ومن الواضح أن التشابه بين العملية الإرهابية في بروكسل وتلك التي حدثت مؤخرا في باريس دليل على أن الفاعل واحد. الأمر المؤسف هو أن يتم الإعلان أن جنسيات المنفذين من دول المغرب العربي وهم الجالية المقيمة في فرنسا وبلجيكا. كما أسلفت، هؤلاء يرتكبون جريمتهم دون تفكير في من سيقع عليه ضرر عملهم سواء من استضافهم أو أهلهم وإخوتهم المستضافين في الدولة المستهدفة. كل ما يهمهم هو الاستجابة لتوجيهات قيادة “داعش” التي تأتي من إيران الفارسية بوصفها الدولة الحاضنة لـ”داعش” والمسؤولة تاريخيا عن “خط الجرذان”.