2016-03-27 

نافخ البوق أصولية الداعية وأصولية عدوه

خلدون الشمعة

العرب - مع انقضاء العام الخامس على ما يسميه الكثيرون بـ”التراجيديا السورية”، يمكن القول بلا مواربة، إن صناعة اختطاف الشعارات وإفراغها من محمولها المعرفي صارت ظاهرة تتعدى العبث بالشعار إلى إخفائه وإعدامههذه الصناعة لا أتردد في تسميتها بظاهرة اختطاف المصطلحات. فالديمقراطية والمجتمع المدني وما يتصل بهما من مصطلحات أخرى كالتعددية وحق الاختلاف، تتعرض الآن في سجالات مثقفين مسيسين وسياسيين مثقفين إلى عملية انزياح تدريجي من شعارات مفرغة من الدلالة والمضمون إلى شعائر مطوّقة بهالات القداسة والتبجيل. بل ربما كان من الأصوب القول إن الظاهرة نفسها صارت تقليدا يطرح قوميون وشيوعيون وسلفيون قدامى منتجاته البلاغية عبر أدوات الاتصال الجماهيري والنخبوي بلا انقطاع. وأنا إذ أذكّر بواقعة الاختطاف هذه فلكي أشير إلى مصطلح حقوق الإنسان الذي استحوذت عليه الدولة الشمولية وأتقنت عملية إعدامه وراء دعوى “الحرب الأهلية” التي تضع السوريين أمام خيار (إما/أو). 

والحال أنه من الضروري الاعتراف هنا أننا إزاء أصوليّتين اثنتين تنكران وجود قيم مشتركة بين الحضاراتوبهذا الإنكار الذي تصفّق له أصولية الدولة الشمولية وأصولية التطرف الطائفي المعلن والمضمر، نصبح قاب قوسين أو أدنى من العنصرية التي تقدّم صورة الآخر السوري باعتباره ينتمي إلى مستويات مختلفة من الإنسانية. وباسم حق الاختلاف يحتفي أصوليونا ويحتفلون بهذا التقويل للمصطلح، ويختفي شعار الدولة المدنية والمواطنة وراء الكلام على حقوق الأقليات.

 
 
 
 
 

وفي تقديري إن التغني بحقّ الاختلاف ليس سوى الوجه الآخر لعنصرية لاطية وراء مصطلح التعددية. وقبل عقود لم يتردد المستشرق “جب” في القول إن “الشرقيين لم يفهموا معنى الحكم الذاتي بالطريقة التي نفهمه بها”. وهو يستنتج من ذلك أن “تطبيق سيكولوجية وميكانيكية المؤسسات السياسية الغربية على الأوضاع الآسيوية والعربية ليس سوى فيلم كارتون من إخراج والت ديزني”. مثال آخر على تقويل مصطلح التعددية يبرز في قصة سيدة بريطانية قالت لي قبل سنوات “الديمقراطية لا تصلح لمنطقتكم من العالم. فما يصلح لمجتمعات مستقرة ومعتدلة كبريطانيا لا يصلح لمجتمعات مجبولة على العنف”. تلك هي بعض المؤشرات لما حدث للغة سجال يتحاور بها مثقفون ويختصمون دون اكتراث بالمحمولات المعرفية التي تنطوي عليها تلك المصطلحات التي تتردد بلا انقطاعفهل ندرك حقا أن معنى الكلام على تحقيق الديمقراطية المعزز بقوة دولتين عظيميين لا تكترثان بالشعب السوري، يحيل المساجل، شاء أم أبى، إلى تناقض منطقي، وأن الاحتفاء بالتعددية قد يعني ترسيخ معايير متباينة في دولة واحدة؟

 

وإذا أردنا أن نروّز مقياس التعددية هذا، ونختبره في مهاده الأدبي، وأن نتفحص مدى صلاحيته للاستعمال، ألا نكتشف وجود تناقض منطقي آخر عندما نفكر فيما أدعوه بـ”الطوطمية” النقدية التي يسبغها بعض مثقفينا على قصيدة النثر، والرواية، فيعتبرون أنها تمثل قمة الفن الشعري بالنسبة إلى الأولى، وديوان العرب الذي حلّ محل الشعر بالنسبة إلى الثانية؟ ثم لماذا نكون تعدديين في السياسة وواحديين في الثقافة؟ وأخيرا كيف يتحرر المثقف العربي الذي دعاه ابن خلدون في الصورة النمطية التي تعتبر خصيصة القرن الرابع عشر بـ”آلة السلطان التي يَسْتَظْهِرُ بها على تحصيل ثمرات ملكه والنظر إلى أعطافه وتثقيف أطرافه والمباهاة بأحواله؟”. وكيف يكفّ عن تمثيل دور المثقف الداعية.. أو نافخ البوق لفرد أو حزب أو نظام؟ سؤال خلافي آخر ينتظر بدوره جوابا أو أجوبة.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه