2016-03-31 

شر البلية

حسان حيدر

الحياة - في خضم العنف المهول الذي نعيشه كل يوم، وأخبار القتل والسحل والتفجير والإعدام العشوائي والهدم والتهجير والتمييز الديني والجندري والعنصري التي تنهال علينا من كل صوب، وخصوصاً من مناطق الشرق المختلفة، أدناها وأوسطها وأقصاها، صار اي حادث لا يدخل في خانات السلوك «الداعشي» هذا يعتبر «جيداً» و «ايجابياً»، وبات التمسك بمقياس النسبية وسيلة لنخفف عن انفسنا وقع ما يطرأ من هزات وضربات وانتهاكات، فهناك السيء والأسوأ، والخطر والأخطر، والدموي والأكثر دموية.

 

وبين التطورات «المفرحة» التي اجتاحتنا اخيراً، خطف الطائرة المصرية الى قبرص أول من أمس. اذ غمرتنا السعادة عندما أُطلق سراح الركاب واستسلم الخاطف من دون سفك نقطة دم واحدة.

 

صحيح ان خطف الطائرة في حد ذاته عمل إرهابي، وأن الركاب عاشوا لحظات خوف لن ينسوها في حياتهم، ومنهم من لن يسافر بعد اليوم على متن طائرة، وأن مطار لارنكا القبرصي خسر يوم عمل بسبب تعطل الحركة فيه، وتأجلت رحلات من مطار القاهرة في وقت تكابد فيه مصر لإنقاذ سياحتها، واستنفرت وسائل الاعلام من محطات تلفزة ووكالات انباء ومواقع الكترونية واذاعات، لكن الخاطف الذي قيل انه «مغروم» او «مختل» اثلج صدورنا عندما قرر تسليم نفسه من دون ان يقتل احداً او يقتل نفسه، في خروج على المألوف في حياتنا منذ انطلقت تباشير «الربيع» قبل خمس سنوات، وانضمت الى عقود من «الممانعة».

 

الحدث «السعيد» الثاني كان عودة مدينة تدمر السورية الأثرية الى كنف نظام بشار الاسد سالمة إلا من بعض أضرار لا تؤثر كثيراً على مكانتها وأهميتها في عالم الآثار والسياحة، بشهادة الخبراء. ولنا ان نتصور ماذا كان سيحل بالمدينة لو كانت هناك عداوة حقيقية بين النظام و «داعش»، وما كانت ستنتهي اليه مواقعها التاريخية لو حصلت معركة فعلية بين الطرفين، سواء عندما أهدتها القوات النظامية الى المتطرفين بانسحابها أمامهم، أو عندما «استعادت» الهدية بأسلوب التبادل نفسه، على رغم البلاغات العسكرية المنتفخة الهادفة الى استدرار الثناء والاشادة.

 

ولهذا، ليس لنا سوى ان نفرح بالتحالف بين جيشي الأسد والبغدادي، والذي شرح صدر منظمة «يونيسكو» وسائر المهتمين بالآثار في انحاء المعمورة. وقد يفاجئنا الثنائي الحاكم في دمشق وموسكو وحليفهما «الخليفة»، بمسرحيات عسكرية اخرى لإسعاد السوريين والروس وإدخال البهجة الى قلوبهم، ونحن معهم.

 

اما التطور «الايجابي» الثالث، فكان نجاح حركة «طالبان» الباكستانية في دحض الاتهامات المفتئتة على «حيادها». فالتفجير الأخير الذي نفذته في مدينة لاهور، اثبت، على رغم حصده 72 بريئاً وجرحه العشرات، ان الحركة لا تفرق بين الأديان، إذ قتلت من المسلمين أكثر من المسيحيين الذين كانوا يحتفلون بعيد الفصح، مسقطة عن نفسها تهمة استهداف الأقلية المسيحية. بل ان «طالبان» وصلت الى مصاف «العلمانية» لمساواتها بين الانتماءات الدينية لضحاياها، وفصلها بين مذاهبهم ومصائرهم، وبينت أنها عندما تستهدف اي احتفال او مناسبة فرحة او عيد او مجرد تجمع اهلي، لا تفرق بين مسيحي ومسلم او حتى هندوسي. كما انها لا تتقصد جنساً بعينه، فتقتل الرجال والنساء، ولا فرق اذا كانوا اطفالاً او بالغين.

 

واذا ما استمرت هذه المؤشرات الى التغيير في المسار العام للحوادث والاعتداءات، لا سيما في منطقتنا الشرق اوسطية، فقد نصل في غضون سنوات الى عيش مفعم بالسعادة في ظل «داعش» والأسد و «طالبان»، وأي تنظيم متطرف جديد، قيد الابتكار حالياً.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه