العرب - لأول مرة يحدث في العالم المتقدم والمتأخر وبين بين، أن يأتي رئيس وزراء إلى البرلمان متأبطا حكومته موضوعة في مظروف مغلق ويسلمه بالحفظ والصون إلى رئيس البرلمان الذي احتضنه وامتنع عن فتحه لدواع ربما دينية باعتبار أن الاثنين من قيادات حزبين إسلاميين، الدعوة الشيعي والإخوان السني.
ولم يكد يمضي وقت طويل على الحدث الغرائبي الذي جرى تحت قبة البرلمان، حتى بدأت أسماء وزراء المظروف المغلق تتقافز وتلتقطها وسائل الإعلام، وتبين أن “العراب” فيها هو المرشح لوزارة المالية والتخطيط (بعد دمج الوزارتين) علي علاوي الذي رشحته لجنة مقتدى الصدر تزامنا مع رغبة البنك الدولي لشغل هذا المنصب الخطير، وفي هذا الوقت بالذات حيث يرزح العراق تحت وطأة عجز مالي بات يهدد بحجب رواتب الموظفين والمتقاعدين.
وابتداء فإن علي علاوي لم يسجل له أي نجاح يذكر في ثلاث وزارات تولاها عقب الاحتلال (التجارة والدفاع والمالية) ولم يترك بصمات فيها توحي بأنه “تكنوقراط” أو مهني بالفعل، وإنما كان ظل خاله أحمد الجلبي في جميع المواقع التي شغلها وفق المثل الشعبي العراقي “ثلثين الولد على الخال” وهو للعلم صاحب مشروع إلغاء البطاقة التموينية الذي لم ير النور خوفا من انعكاساته الشعبية وتحسبا من ردود الشارع العراقي الغاضبة ضده. ويكاد يكون علي علاوي الوحيد الذي ســفّه برنامج البطاقة التموينية عندما تولى وزارة التجارة في حكومة بريمر ويصفه بأنه مشوه وغير كفء، رغم أن هذا البرنامج حظي وما زال بتقدير الخبراء الدوليين والدوائر الاقتصادية العالمية لنجاحه المذهل في إعالة الملايين من العراقيين وتوفير الطعام لهم بيسر وبأسعار متدنية على مدى ثلاثة عشر عاما سادها حصار جائر وعقوبات ظالمة.
وكان علاوي وهو يسعى إلى إلغاء البرنامج الإنساني مدفوعا بتحقيق غرضين؛ أولهما تلبية شروط البنك الدولي الذي يطالب دائما برفع الدعم الحكومي عن المستلزمات الأساسية من غذاء وخدمات، وثانيهما التخلص من شبح وزير التجارة الذي سبقه البعثي محمد مهدي الراوي الذي يعد مهندس البطاقة التموينية ومنفذ نجاحاتها المدوية.
لم يعرف عن علي علاوي نشاط سياسي ضد جمهوريات ما بعد 14 يوليو 1958 التي قوضت مواقع أسرته الحكومية الرفيعة ابتداء من والده وزير الصحة الأسبق عبدالأمير علاوي، مرورا بجده من أمه عبدالهادي الجلبي عضو مجلس الأعيان المزمن، وانتهاء بخاله رؤوف الجلبي وزير الإعمار، ويبدو أنه اقتدى بأبيه رحمه الله الذي اعتزل العمل السياسي وانصرف إلى تخصصه الطبي.
وقد سُمع باسم علي علاوي كسياسي معارض للنظام السابق لأول مرة في يوليو 2002 عندما شارك مع موفق الربيعي وصاحب الحكيم في إصدار بيان سمي “إعلان شيعة العراق” دعا، على استحياء، إلى إنشاء إقليم شيعي في العراق، لم يجد قبولا في أوساط الشيعة وسرعان ما تهاوى وسحب كثيرون تواقيعهم منه بعد أن فاحت رائحته، إلا أن علي علاوي ما زال يذكره بفخر، ويعده أول تيار يفصح عن وعي شيعي منفصل لتأسيس وضع خاص للشيعة في العراق.
ومن إنجازات علي علاوي التي يعترف بها، أنه كتب تقريرا في نهاية عام 2002 شرح فيه كيفية اجتثاث حزب البعث عقب “التغيير” في العراق، وقد اعتمدت سلطات الاحتلال التقرير وتبناه الحاكم المدني بول بريمر الذي أنشأ هيئة للاجتثاث وضع على رأسها خاله أحمد الجلبي يساعده نوري المالكي وجلال الصغير ومثال الألوسي وآخرون. اتسم عمل هيئة الاجتثاث بنزعة انتقامية شملت الآلاف من الموظفين والعمال والأطباء والمهندسين والمعلمين ومنتسبي الجيش والأجهزة الأمنية، ولم تخلُ إجراءات الهيئة من انحياز طائفي واستثناءات لقيادات بعثية متلونة، بينما ركزت على اجتثاث البعثيين السنة والشيعة العرب دون تفريق بين قيادي أو نصير بسيط.
والمثير في ترشيح علي علاوي وزيرا للمالية أن جهتين تبدوان متناقضتين ظاهريا على الأقل، هما من دفعتا به إلى الواجهة واتفقتا على توزيره، الأولى التيار الصدري برئاسة مقتدى الصدر، والثانية البنك الدولي الذي زار رئيسه بغداد برفقة الأمين العام للأمم المتحدة نهاية الشهر الماضي، ولا يعرف إن جاء ترشيحه من الجهتين مجرد توارد خواطر أو اتفاق عن بُعد، رغم أن ثمة مؤشرات تفيد بوجود اتصالات بينه وبين ممثلين صدريين لا يستبعد أن يكون من ضمنهم زميل علاوي في حكومة بريمر وجاره اللندني الشيخ سامي المعجون وزير العمل الأسبق ورئيس لجنة مقتدى لاختيار الوزراء.
إن ترشيح علي علاوي لوزارة المالية، يشكل معطيات توحي بأنه سيكون رجل المرحلة المقبلة بما تحمله من مسارات تبدو غير مسبوقة وقد يحقق حلمه القديم الجديد ويعجل بإعلان الإقليم الشيعي برئاسة مقتدى الصدر ويتولى هو رئاسة حكومته، وتهديدات زعيم التيار الصدري للنواب من مغبة رفضهم تمرير الحكومة المرتقبة لا تحتاج إلى تفسير.