الرياض - اعتادت إيران اللعب بالنار، فذلك مفردة من أهم مفردات بقائها، وحضورها في العالم كله، دولة مارقة تستمد مقومات وجودها من مخالفة الشرائع السماوية، والقيم الإنسانية، والقوانين الدولية، لتثبيت نفسها قوة ضاربة بممارساتها سيئة السمعة التي لم تعد خافية على أحد في العالم كله. ففي الوقت الذي تعاني فيه كثير من الدول في الشرق والغرب من الهجمات الإرهابية لجماعات متطرفة، تعيش إيران في مأمن من هذه الهجمات مما يؤكد أنها صانعة للإرهاب وأربابه؛ لأنها تتخذه وسيلة لنفوذها، حتى بات النظام الإيراني وعلى رأسه خامنئي مطلوباً للعدالة الدولية، إذ كشفت تقارير وشهادات تورط النظام الفاشي بعدد كبير من الجرائم التي هزت العالم بأسره لدن وقوعها، وعلى رأس ذلك تفجيرات الحادي عشر من سبتمبر 2001.. فحبل الكذب الإيراني -حسب قول الكاتب فلاح الجنابي- لم يعد قصيراً فحسب؛ وإنما لم يعد هنالك أساساً من حبل يقوم هذا النظام بإرخاء كذبه عليه، وإنه وبعد اتهامه الآخرين بالإرهاب، وادعائه أنه ضحية له، جاء حكم محكمة نيويورك ليؤكد دور هذا النظام في تخطيط وتمويل وتنفيذ هجمات 11 سبتمبر (أيلول) 2001، التي أودت بحياة نحو ثلاثة آلاف شخص في واحدة من أكثر الهجمات دموية في تاريخ الولايات المتحدة، بل وفي العالم كله.. أدرج قاضي محكمة نيويورك الجزئية المرشد الأعلى للنظام الإيراني علي خامنئي شخصياً وحزب الله اللبناني كمتهمين ثان وثالث بعد زعيم تنظيم القاعدة أسامة بن لادن، إذ قدمت إيران دعمًا لوجستيًا وملاذًا آمنًا لإرهابيي القاعدة، كما شاركت في التخطيط للعملية.. وأضاف تقرير المحكمة أن الدعم المادي والموارد التي قدمت للقاعدة كانا من قبل مختلف المسؤولين الإيرانيين، وكانوا على اتصال بكبار عناصر القاعدة طوال تلك الفترة.
كما أدلى اثنان من المسؤولين العاملين منذ فترة طويلة في الاستخبارات المركزية الأميركية، حسبما جاء في جريدة الشرق الأوسط 25-3-2016، أن التعاون بين تنظيم القاعدة من جهة وإيران وحزب الله من جهة أخرى، كان فعالاً ليس فقط في تخطيط أحداث 11 سبتمبر وتنفيذها في عام 2001، ولكن أيضًا في الكثير من العمليات الأخرى التي قام بها تنظيم القاعدة قبل ذلك.. من بين تلك العمليات تفجير أبراج الخُبر في المملكة العربية السعودية عام 1996، وتفجير سفارتي الولايات المتحدة في شرق أفريقيا عام 1998، والتفجير الانتحاري باستخدام قارب استهدف المدمرة الأميركية يو إس إس كول قبالة سواحل اليمن عام 2000
.
وكشفت الوثائق عن أن من بين الأساليب التكتيكية الأخرى، قيام "حزب الله" بتدريب عملاء "القاعدة" التابعين لأسامة بن لادن على تفجير مبان ضخمة، كذلك قدم لهم تدريبات خاصة بالاستخبارات والأمن.. واستمر تدريب الإرهابيين بين "القاعدة" وإيران و"حزب الله" طوال التسعينيات، وقدمت إيران دعماً مادياً ومباشراً لعملية النقل الخاصة بالإرهابيين الذين نفذوا أحداث 11 سبتمبر.. وكان تسهيل انتقال عملاء "القاعدة" إلى معسكرات التدريب في أفغانستان ضرورياً من أجل نجاح العملية الإرهابية.
وعلى الرغم من أن إيران و"حزب الله" ينتميان للطائفة الشيعية، و"القاعدة" إلى السنة، فإن العلاقات بين "القاعدة" وإيران أظهرت أن الخلافات بين الطائفتين لا تمثل بالضرورة حاجزاً منيعاً أمام التعاون في مجال العمليات الإرهابية! حيث جمعتهما غاية واحدة وهي تسديد ضربة موجعة لأميركا، وإلصاق التهمة ببلادنا، كون معظم المنفذين من أبناء بلادنا العاقين.. وفي السياق نفسه فإن الإرهابي الزرقاوي على الرغم من أنه يُعتبر العدو الشرس اللدود للطائفة الشيعية، لأنه أول من سنّ استهداف رموزهم، وتفجير حسينياتهم، إلا أن هناك مؤشرات قوية على علاقة وطيدة جمعته بالمخابرات الإيرانية، وصلت إلى حد التسلح والتدريب والدعم والعلاج، وحسب ما ذكره سيف العدل، المسؤول الأمني في تنظيم القاعدة، عن جوانب مهمة في شخصية الزرقاوي وصلاته مع إيران، حيث تحول من شاب بسيط خجول، إلى قائد عسكري مهم في تنظيم القاعدة أوكلت إليه إيران مهمة "إقامة دولة إسلامية في العراق"، التي تطورت فيما بعد إلى ما صار يعرف بداعش.
وعن دور إيران في احتواء إرهابيي القاعدة، يقول سيف العدل في مذكراته: "بعد الضربة الأميركية على أفغانستان التي تلت أحداث الحادي عشر من سبتمبر، بدأنا بالتوافد تباعاً إلى إيران، وكان الإخوة في جزيرة العرب والكويت والإمارات من الذين كانوا خارج أفغانستان، سبقونا إلى هناك، وبحوزتهم مبالغ جيدة ووفيرة من المال، شكلنا في إيران حلقة قيادة مركزية وحلقات فرعية، وبدأنا باستئجار الشقق لإسكان الإخوة وبعض عائلاتهم.." وهذا يثبت أن إيران أصبحت منذ زمن طويل محطة التحرك، ونقطة إعادة التجمع، والتخطيط للإرهاب العالمي.
وعن رغبة إيران في توريط بلادنا بالجريمة، يتداعى إلى الذهن ما فعله أحد أفرادهم الذي وصل إلى منصب وزير في عهد هارون الرشيد، ويدعى علي بن يقطين، وقد أثنى الخميني في كتابه "الحكومة الإسلامية" على هذا الرجل لدخوله الشكلي -كما يعبر- في الدولة الإسلامية لنصرة الإسلام والمسلمين ويعني مذهبهم.. فقد تمكن ابن يقطين بحيلة لم تكشف من قتل خمس مئة مسلم في يوم واحد، حيث كان في السجن جماعة من المخالفين، عددهم خمس مئة رجل، فأمر غلمانه بهدم أسقف السجن عليهم، حتى ماتوا كلهم. وقد حقق بذلك هدفين: الأول، الإساءة إلى الدولة الإسلامية وسمعتها حيث يتوهم من يسمع الخبر أن الدولة قد أودعت هؤلاء المساجين في سجن غير مأمون.. وهذا شبيه بما تحاول دولة الملالي فعله في بلادنا في مواسم الحج، كما حدث في حج العام الماضي من سير حجاجها الذين كان من بينهم عدد من مسؤوليها، عكس سير باقي الحجيج.. أما الهدف الثاني، فهو التشفي بقتل خصومه ومخالفيه في المعتقد بهذه الطريقة الماكرة الخفية.
ووفقا لصحيفة مكة "من بوابة المهدي المنتظر، وفكرة تصدير الثورة الإيرانية، وشعارات أخرجوا المشركين من جزيرة العرب، وصولا إلى دولة الخلافة، كلها كانت خلفيات ضبابية لمشروعات إرهابية، استهدفت السعودية في حرم الله وأمنها واقتصادها ونفطها، فهربت طهران المتفجرات عبر حجاجها، وخطط حرسها الثوري لزعزعة أمن الحرمين وأوعزت لأذرعها باستهداف البترول والآمنين، ونفذت القاعدة التفجيرات والاغتيالات، وانفردت ذئاب داعش لتنفيذ بعض الهجمات، ومع كل هذا رحل هؤلاء، وبقيت السعودية".
ومما يثبر العجب الصمت الأميركي إزاء هذه القضايا الحساسة، ورفض واشنطن محاسبة إيران الداعم الرئيسي للإرهاب، ومكافأتها عوضاً عن ذلك باتفاق سيتيح لها التحرك بحرية، على أكثر من صعيد، لنشر الفوضى، ودعم الإرهابيين!
فما الذي يجعل واشنطن تتجاهل ضلوعها في تلك الجريمة؟ يقول مصدر قضائي رفيع في تصريح صحفي نقلته صحيفة الشرق الأوسط: "إن الحكومة الأميركية لديها تأكيد شامل على الصلة بين إيران و(القاعدة) قبل وبعد 11 سبتمبر، من أهمها وثائق وكالة الأمن القومي، وكانت الحكومة الأميركية مترددة في الاعتراف بضلوع الحكومة الإيرانية -نظام خامنئي- لأن ذلك يتطلب من الحكومة اتخاذ خطوات تمثل انتهاكًا لاتفاقية الجزائر التي وقعت في يناير (كانون الثاني) عام 1981 في أعقاب أزمة الرهائن الإيرانية، ودعت إلى إفراج إيران الفوري عن الرهائن الأميركيين، ووقف تجميد 7.9 مليارات دولار من الأرصدة الإيرانية، ومنح إيران مقابل ذلك حصانة ضد الدعاوى القضائية التي قد تواجهها في أميركا بسبب احتجاز الرهائن، بالإضافة إلى ذلك، ذكرت الولايات المتحدة، في أحد شروط الاتفاقية: "بداية من الآن فصاعدًا سوف تكون سياسة الولايات المتحدة عدم التدخل، بصفة مباشرة أو غير مباشرة، سياسية أو عسكرية، في الشؤون الإيرانية الداخلية"!!
ما يعني أن اعتراف واشنطن بضلوع خامنئي في أحداث سبتمبر سوف يؤدي إلى الدخول في حرب ضد إيران، لهذا فإنه وفاء بالعهد الذي قطعته على نفسها في اتفاقية الجزائر، لن تحاسب الدولة المارقة على إرهابها.. لكن السؤال الذي يتبادر إلى الأذهان هو متى كان لدى واشنطن كل هذا الحرص على الوفاء بعهودها، الأمر الذي يشير إلى أن الموضوع أكبر من مجرد التزام باتفاق اتخذ في زمن كانت فيه إيران معتدية لا مُعتدى عليها!! لو أردنا تقييم العلاقة الأميركية الإيرانية لعرفنا حقيقة دامية.. حيث لم يقتل أحد في العالم مثلما قتل الإيرانيون من الأميركيين في المنطقة منذ الثمانينيات وحتى يومنا هذا، سواء أكان ذلك بعدد الضحايا، أم بالاعتداءات على السفارات والقنصليات في بيروت واليمن وأفغانستان والعراق وليبيا.
إن قرار محكمة فيدرالية أميركية بتغريم إيران أكثر من 10 مليارات دولار بسبب تورطها في دعم منفذي هجمات 11 سبتمبر 2011، يزيد اليقين بوقوفها وراء العديد من المنظمات الإرهابية خدمة لمصالحها، وإشاعة للفوضى والدمار في العالم.
قبل أربع سنوات تقريباً قال بشار الأسد إنه سيحرق المنطقة إذا حاولت القوى الدولية إزالة نظامه، وقال أحد أركان النظام الإيراني: إذا سقط نظام بشار الأسد ستسقط الكويت، وفي الفترة نفسها، هدد مفتي سورية أحمد حسون فرنسا بالانتحاريين إن هي أقدمت على إطلاق قذيفة على الأراضي السورية، وقد شهد العالم المجزرة الرهيبة في فرنسا التي قام بها جهاز المخابرات السورية المرتبط ارتباطاً كلياً بتنظيم داعش والاستخبارات الإيرانية.. وفي فترة سابقة من هذا العام ذكرت مصادر إعلامية أن أعداداً من عملاء النظام السوري غادروا سورية بين اللاجئين إلى دول أوروبا، ولهذا شهدنا أعمالاً إرهابية أخرى، كان آخرها في بروكسل، حيث صدرت لهم الأوامر بزعزعة الأمن والاستقرار في تلك الدول.
ختاماً؛ يقول المحلل السياسي عبدالوهاب بدرخان لسكاي نيوز عربية إن إيران "اكتشفت مبكراً أن جماعات الإرهاب لا يحركها دين ولا مذهب بقدر ما تحركها أهداف سياسية.. وهي أدوات يمكن لإيران استخدامها بسهولة لتوجيه أنشطة هذه الجماعات لخدمة مصالحها بينما تظل هي نفسها في مأمن"!