انتهت اجتماعات القمة الـ13 لمنظمة التعاون الإسلامي، التي عقدت في العاصمة التركية إسطنبول (14 و15 أبريل)، بحضور قادة خمسين دولة، والسؤال المطروح ما الذي حققته هذه المنظمة منذ قيامها، أو منذ مؤتمرها الأول في الرباط (1969)، أي قبل قرابة خمسة عقود؟ ثم ما هي التحديات التي تقف أمام فاعليتها أو تطور دورها؟.
الواقع أن مشكلة هذا التجمع هي ذاتها مشكلة جامعة الدول العربية، أو مجلس التعاون الخليجي، أو الاتحاد المغاربي، وهي ذاتها مشكلة دول “البريكس”، وكلها تجمعات خيّبت التوقعات المرجوة منها. بيد أن مشكلة هذه المنظمة على ما يبدو أكثر تعقيدا من كل الأطر السابقة، فنحن هنا إزاء 57 دولة، وهي أكبر تجمع عالمي بعد الأمم المتحدة، ثم إننا إزاء أنظمة سياسية واقتصادية وثقافية مختلفة ومتباينة. وكما هو واضح فنحن لسنا إزاء تجمع يضم دولا يجمعها التقارب الجغرافي، وحاجات الاعتماد المتبادل في الاقتصاد والبنى التحتية، ولسنا إزاء مجموعة دول متقاربة من ناحية ثقافية أو لغوية أو ذات تاريخ مشترك، وإنما إزاء تجمع تأسس على عامل واحد وهو وجود أغلبية تدين بالإسلام في كل واحدة من دوله، الأمر الذي يطرح التساؤل عن مشروعية ذلك أو جدواه، بالنظر إلى الخلافات بين الدول المنضوية في عضوية هذه المنظمة، علما أنه لا يوجد في العالم تجمع آخر على أساس ديني.
على أي حال فإن وجود هذا التجمع نابع من رغبة بعض الدول الفاعلة في إثبات ذاتها في المجال الدولي من خلال تشكيل هذه المنظمة، في محاولة لتعزيز شرعيتها ومكانتها وفاعليتها على الصعيدين الإقليمي والدولي، مع ملاحظتنا أن أثر هذه المنظمة على الدول الأعضاء مازال شكليا، مثلها مثل جامعة الدول العربية مثلا، وحتى أنها لم تستطع بناء مؤسسات فاعلة، أو ذات تأثير جدي، لا على مستوى الدول الإسلامية المشاركة أو على المستوى الدولي.
بيد أن القمة الإسلامية في إسطنبول حظيت باهتمام خاص، إذ أنها جاءت في لحظة يحتدم فيها الصراع بين مجموعة من الدول “الإسلامية” حول العديد من الملفات، ولا سيما في ظروف اشتعال النعرة المذهبية (بين السنة والشيعة) في العالم الإسلامي ولا سيما في العديد من الدول العربية، وفي ظروف تفاقم التدخلات الإيرانية في دول الخليج والمشرق العربي.
بناء على ذلك يبدو أن الصراع الطائفي المذهبي، الناجم عن السياسات التي ينتهجها نظام “الولي الفقيه” في إيران، والذي يترجم بالتدخلات في الدول العربية، وبإقامة ميليشيات مذهبية مسلحة، يشكل أحد التحديات التي تعصف بالعالم الإسلامي، وضمنه في منظمة التعاون الإسلامي. وفي هذا الإطار فقد بدت إيران، التي تمثلت برئيسها حسن روحاني، معزولة في هذه القمة، وهذا أمر بدا لصالح تركيا، التي يحكمها حزب إسلامي، في نظام علماني، وهي ميزة تحسب لصالحها، علما أن الفضل في ذلك يعود إلى المملكة العربية السعودية التي لعبت الدور الرئيس في عزل إيران.
وإذا تجاوزنا العقدة الإيرانية، فثمة العديد من التحديات التي تقف أمام تطور التعاون بين منظومة الدول الإسلامية، يأتي ضمن ذلك، أولا، تعزز النعرة الطائفية المذهبية، ما يتمثل بالانقسام الحاصل بين السنة والشيعة، وهو أمر يفترض الاشتغال عليه، والحد منه بعزل إيران، وعدم ترك الجمهور الشيعي لها، كما الضغط عليها لتغيير سياساتها الطائفية والتدخلية.
ثانيا، يتعلق بمكانة منظمة التعاون الإسلامي، على الصعيد الدولي، إذ في ظل مسارات العولمة من الصعب على أي تجمع إقليمي، الانعزال أو النأي بنفسه عن العلاقات والاحتياجات الاقتصادية الدولية، وهذه كانت مشكلة دول “البريكس”، لذا فمن الصعب تصور تجمع على أساس ديني يؤسس ذاته على هذا النحو، لا سيما بالنظر إلى المستوى الاقتصادي والتكنولوجي المتدني، والذي يحتاج إلى علاقات مع الدول المتقدمة. ثالثا، ثمة تحديات ثقافية أو فكرية تواجه منظمة التعاون الإسلامي تتعلق بمكافحة الإرهاب والتطرف، وتقديم صورة أفضل عن الإسلام في العالم، بعد أن احتلت “القاعدة” وبعدها “داعش” هذه الصورة، ويأتي في هذا الإطار ما أكدته قمة إسطنبول في بيانها الختامي وفي الإعلان الصادر عنها. رابعا، ما لم تتجه دول منظمة التعاون الإسلامي نحو تعزيز علاقات التعاون في ما بينها، وزيادة الاعتماد المتبادل في المجال التجاري والبنى التحتية والعلوم، فإن هذه المنظمة سيكون مصيرها مثل التجمعات الأخرى.