العرب - اعترف مسؤولون في البيت الأبيض بأنَّ علاقة الولايات المتحدة الأميركية بحلفائها، أو شركائها الخليجيين، تمر بفترة صعبة من الخلافات وتباين الرؤى، حول العديد من الملفات الساخنة في المنطقة، وفي مقدمتها الملف الإيراني والملف السوري والحرب على داعش، إلا أنَّهم أكدوا في الوقت نفسه، على أنَّ العلاقة بين الجانبين، والمصالح المشتركة بينهما، ذات بعد استراتيجي راسخ على المدى البعيد.
في السياق نفسه، أشار مسؤولٌ سابقٌ في المخابرات الأميركية وخبيرٌ بمعهد بروكينجز الأميركي، إلى أنَّ المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة لا تزالان بحاجة إلى بعضهما، وإن كانت الخلافات بينهما خطيرة، وبالإمكـان أن يعمل الرئيس الأميركي باراك أوباما، في زيارته المرتقبة للرياض على تجسير هوة الخلاف بين الجانبين، ولكن- والكلام للخبير الأميركي- زيارة أوباما لن تُعيد العلاقات إلى أيام مجدها.
ومن ثمَّ، فإنَّ الزيارة “الرابعة” لأوباما للسعودية منذ وصوله للبيت الأبيض عام 2009، لن تكون بالتأكيد، سهلة أو سلسة، فالخلافات بين الجانبين، مريرة وازدادت مرارتها، إثر تصريحات أوباما الاستفزازية عن حلفائه الخليجيين، في المقابلة التي أجرتها معه مجلة “ذي آتلانتك” الأميركية، واعتُبرت في حينها نوايا أميركية صادمة تجاه الخليج العربي ومنطقة الشرق الأوسط، وتتصل مباشرةً بأزمة ثقة غير مسبوقة، تُخيّم على العلاقة السعودية الأميركية، وعلى نطاق أوسع، العلاقة الخليجية الأميركية.
حاول البيت الأبيض- عشية القمة مع قادة دول الخليج، والتي تسبقها قمة سعودية أميركية- تلطيف أجواء العلاقة معهم، عبر التأكيد على هدف تعميق الشراكة الأمنية لجعل دول مجلس التعاون أكثر قدرة على مواجهة التهديد الإرهابي، والتصدي لنشاطات إيران المزعزعة للاستقرار، والعمل بشكل أفضل مع النزاعات الإقليمية التي تُشتتُ المنطقة.
كما أعلن البيت الأبيض التوصل إلى اتفاقيات تتصل بمكافحة الإرهاب، وتفعيل الأمن البحري والإلكتروني، وتقوية الدفاعات الباليستية، لدول الخليج. وسوف يقوم وزير الدفاع الأميركي، آشتون كارتر، بمناقشة جميع هذه المسائل في الرياض خلال اجتماعه مع وزراء دفاع هذه الدول، للتحضير لزيارة أوباما، في إطار مجلس الدفاع بين الجانبين، الذي أُعلن عن تشكيله مؤخرا، وربما يتم طرح مسألة الدعم المالي لحكومة العراق. وإن كانت دول الخليج ترى أنَّ العراق يحتاج أولاً إلى توافق سياسي، ومشروع مصالحة وطنية لا يُقصي أحدا من مكوناته السياسية، والمُكون السني خاصة.
على كل حال، يود قادة الخليج الحصول على التزام أميركي، أكبر وأوسع، تجاه أمن المنطقة واستقرارها، وهم يرون أنَّ الأميركيين يمارسون سياسات سلبية لا تخدم ذلك، بل تُؤجّج الفوضى والصراع وعدم الاستقرار. فإدارة أوباما لم تفعل شيئا لوقف استفزازات إيران في المنطقة، وتدخلاتها السافرة في شؤون دولها، في لبنان وسوريا والعراق واليمن والبحرين، بل ألقتْ باللوم على دول الخليج لعدم مشاركة إيران في تقاسم النفوذ، أو بناء ما أسمته بالسلام البارد معها، ضاربة عَرْضَ الحائط بكل الهواجس الخليجية المشروعة، من التَّغول الإيراني في المنطقة، والذي يشهد، بالمناسبة، تصعيدا متواترا، بُعيد الاتفاق النووي مع مجموعة الخمسة زائد واحد، ورفع العقوبات الغربية والأممية عن إيران، دون ربط ذلك بقيود حاسمة، لوقف هذا التَّغول والتمدد الإيراني.
كذلك، إدارة أوباما لم تفعل شيئا لحقن الدماء السورية، وتسوية أزمة هذا البلد العربي المنكوب، وفق القرارات الدولية، ولم تُحرك ساكنا تجاه استخدام النظام وحلفائه، البراميل المتفجرة، والصواريخ الفراغية، وحتى السلاح الكيمياوي ضد الأبرياء، بدعوى أن التدخل الأميركي، أكثر كلفة من عدم التدخل، وهي في ذلك غير صادقة بل ومراوغة فقد تدخلت، لمنع إقامة منطقة آمنة في شمال وجنوب سوريا وتدخلت لمنع تسليح المعارضة السورية المعتدلة بأنظمة دفاع جوي تحمي النساء والأطفال من قنابل النظام وحلفائه، وتدخلت كذلك لمنع تركيا والسعودية من عملية برية للقضاء على تنظيم داعش، وتدخلاتها هذه، أسهمت كثيرا في إضعاف الثورة السورية، وفي تكالب قوى الشر عليها.
أكثر من ذلك، إدارة أوباما لم تفعل شيئا أمام عبث الميليشيات الطائفية الشيعية الموالية لإيران، واستباحتها للمدن والقرى العربية، بطشا وقتلا وتهجيرا، على شاكلة حزب الله اللبناني، وحزب الله العراقي، وفيلق بدر، وجيش المهدي، وعصائب أهل الحق، ولواء أبي الفضل العباس، وجماعة الحوثيين في اليمن… وهي على كل حال بالمئات. وفي العراق انضوى عدد كبير منها، عام 2014 تحت مظلة “الحشد الشعبي”، وكان يُفترض أن تكون هذه الميليشيات الطائفية، ضمن بنك أهداف التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب، إلى جانب داعش، على اعتبار عدم التفريق بين المنظمات الإرهابية، سُنية كانت أو شيعية، أو حتى أميركية، ولكن إدارة أوباما لها رأيٌ آخر، وتصنيفٌ خاصٌ يخدم مصالحها الآنية والآتية، وسيظل داعش، إلى حين من الزمن، أحد أهم أسرار لعبة الأمم الجارية في سوريا والمنطقة العربية.
ومن المُدهش، أنَّ إدارة باراك أوباما لم تكتف، بكل هذه المواقف الصادمة لحلفائها في المنطقة، إذ شجعت كذلك على التدخل الروسي في سوريا، وإحداث استقطاب تركي روسي حاد، واللعب بالورقة الكردية لمشاغبة تركيا، وهي العضو في حلف الناتو، والكلام في ذلك يطول.
كلمةٌ أخيرة؛ تذبذب مواقف الرئيس الأميركي باراك أوباما، ونكوصه عن قراراته، وتراجع مثالياته، وقُرب انتهاء ولايته الثانية والأخيرة، تُلقي بظلالها القاتمة، على قمة الرياض. في الغالب سيتم ترحيل الملفات الساخنة والمُلتبسة، بين أميركا والخليج، إلى الإدارة الأميركية القادمة، والتي قد تتعاطى مع هذه الملفات، بصورة أفضل من الإدارة الحالية، غير المأسوف عليها، تحت وقع أحداث ومستجدات قد تُغير من القراءة والمواقف الإقليمية، والدولية للعديد من مشكلات المنطقة.