الحياة - بحثت عن جزيرة «سانتا لوسيا» في الإنترنت، مستعلماً عن البلاد التي تمثّلها في بعثة اليونيسكو، المرشحة اللبنانية لمنصب الأمانة العامة لهذه المنظمة فيرا خوري، ففوجئت بأنها مسقط رأس الشاعر الكبير ديريك والكوت، صديق الشاعر محمود درويش. لكن المفاجأة الأخرى كانت في تمثيل فيرا خوري هذه الجزيرة الصغيرة التي تقع في شرق البحر الكاريبي، والتي يبلغ عدد سكانها نحو 180 ألفاً. ما الذي أوصل السيدة اللبنانية الفرنسية الى تلك الجزيرة البعيدة وشبه المجهولة لتتولى تمثيلها في اليونيسكو بصفتها نائباً لرئيس بعثتها وهو لبناني بدوره، ويدعى جيلبير شاغوري؟ لماذا لم يختر شاغوري وخوري جزيرة أخرى أوسع مساحة وأغزر شعباً ليمثلاها في اليونيسكو؟ فالانتشار اللبناني شاسع في العالم وحتى في ما وراء البحار. لكن فيرا تعيش في باريس كمواطنة فرنسية لبنانية، وتعمل في اليونيسكو منذ عشرين عاماً ممثلة للثقافة «السانتالوسية» وهويتها الكاريبية.
زارت فيرا خوري لبنان، وطنها الأول، أخيراً، بعد تبنّي الدولة اللبنانية ترشيحها رسمياً الى منصب الأمانة العامة لليونيسكو في الانتخابات التي ستشهدها المنظمة السنة المقبلة. وزيارتها كما أعلنت، من قبيل التعريف بنفسها من خلال وسائل الإعلام، فمعظم المثقفين اللبنانيين بأجمعهم لم يسمعوا باسمها ، ولا بد من أن تتعرف إليهم ويتعرفوا إليها خلال ترشّحها الى المنصب الأرقى ثقافياً في العالم. جاءت خوري الى لبنان مدعومة من وزيري الخارجية جبران باسيل، ووزير الثقافة روني عريجي. فهذان الوزيران المعروفان بخلافهما السياسي الشديد، نتيجة المنافسة بين الجنرال ميشال عون والنائب سليمان فرنجية على كرسي الرئاسة، اتفقا برضا تام، على دعم ترشيح السيدة فيرا. إنها من المرات القليلة التي يتفقان فيها على أمر مشترك بعدما بلغت المقاطعة بين التيار وحزب المردة ذروتها أخيراً. إلا أن حماستها سرعان ما خفتت بعدما فاجأها البيان الذي رفعه جمع كبير من خيرة المثقفين اللبنانيين يطالبون فيه الدولة بترشيح المفكّر غسان سلامة، وزير الثقافة الأسبق، الى منصب اليونيسكو. ولم يكن البيان مجرد بيان سياسي، بل كان أشبه بمرافعة ثقافية توضح للدولة معنى ترشيح سلامة وضرورة ترشيحه وحاجة لبنان إليه في ذاك المنصب، لا سيما اليوم في وقت تشهد الدولة حالاً من الانهيار الشامل، سياسياً واقتصادياً ومالياً وأخلاقياً وطائفياً... فاجأ البيان السيدة فيرا، لكنه لم يثن من عزيمتها، فأطلت في مقابلات قليلة جداً تدافع عن نفسها وتنفي كل ما أشيع عن ترشيحها، ودافعت عن داعميها في هذه المعركة الدولية. لكن انفعالها في حوارها التلفزيوني مع الإعلامي وليد عبود (أم. تي. في)، جعلها تصف حملة المثقفين اللبنانيين بـ «السخيفة». وقد لا تلام لأنها لا تعلم ربما من هم الذين وقعوا البيان وما قيمتهم، وماذا يمثلون، هي المقيمة في فرنسا ممثلةً للجزيرة النائية. وكررت أنها لبنانية قبل أن تكون فرنسية، وأن أم زوجها الفرنسي هي لبنانية.
تستحيل المقارنة فعلاً بين السيدة فيرا خوري والمفكر غسان سلامة. بل إن المقارنة بينهما قد تكون مستهجنة وعبثية، وبدت فيرا تدرك هذا جيداً كما قالت. كيف تمكن المقارنة بين موظفة في السلك الديبلوماسي لدى اليونيسكو، وبين علَم من أعلام الثقافة والسياسة والحياة الأكاديمية في لبنان والعالم، هو صاحب أبحاث فريدة في العلوم الإنسانية، بل صاحب مشاريع طليعية وسباقة في الحقل الجيوسياسي. طبعاً لا يحتاج غسان سلامة الى تقديم أو تعريف، فماضيه يشهد له ورؤيته السباقة الى المستقبل تشهد له أيضاً. لكن، ما أخذه عليه أصدقاؤه تأخّره في ترشيح نفسه، على خلاف خوري التي كانت تتربّص للفرصة منذ أعوام، فسارعت في ترشيح نفسها وقبل عامين. لا يمكن التغاضي عن دينامية هذه السيدة وحركتها الدائمة في الأوساط اليونيسكوية، مع أنها لم تصدر كتاباً ولا قدمت إنجازاً يمكن الاتكاء عليه والاعتداد به. فهي تؤمن بأن المنصب لا يفترض على المرشح أن يكون أكاديمياً أو منظراً أو عالماً في السياسة والثقافة. المهم لديه هو الدينامية والقدرة على التحرك والمبادرة السريعة والاستجابة الفورية. لم تبرز خوري أوراقاً تضم برامج عمل ومشاريع، مثلما فعل وزير الثقافة القطري السابق حمد الكواري، حين إعلان ترشّحه، أو مثلما فعل سابقاً وزير الثقافة المصري فاروق حسني أو الوزير والكاتب السعودي الراحل غازي القصيبي... بدت فيرا خوري غريبة حقاً عن المرشحين العرب، ليس لأنها امرأة، فالسيدة إيرينا بوكوفا كانت خير من احتلّ هذا المنصب في الحقبة الأخيرة، بل لأنها غريبة عن أجواء الثقافة والفكر السياسي، لبنانياً وعربياً ودولياً. أما تمضية عشرين عاماً في مكاتب اليونيسكو والكواليس، فلا تعني بتاتاً أن الخبرة وحدها كافية لملء هذا المنصب الثقافي الدولي.
هل تفوز فيرا خوري بالمنصب؟ تقول أن حظوظها كبيرة، وأن داعميها، الوزيرين اللبنانيين ورجل الأعمال اللبناني، يؤكدون أنهم سيبذلون كل ما في وسعهم لتوفير نجاحها في انتخابات اليونيسكو السنة المقبلة. على أن فوزها إذا تم، سيكون حتماً خدمة لوطنها الأول لبنان، فهو يحتاج الى الخروج من عزلته الراهنة أيّما حاجة.