الحياة - لم يُطلق الشعب على السلطان سليمان لقب القانوني لوضعه القوانين، وإنما لتطبيقه هذه القوانين بعدالة، ولهذا يعد العثمانيون الألقاب التي أطلقها الأوروبيون على سليمان في عصره مثل: الكبير، والعظيم، قليلة الأهمية والأثر إذا ما قورنت بلقب القانوني الذي يُمثل العدالة. ولم يكن عهد سليمان القانوني العهد الذي بلغت فيه الدولة أقصى حدود لها من الاتساع، وإنما هو العهد الذي تمت فيه إدارة أعظم دولة بأرقى نظام إداري.
ورد في كتاب السيد هارولد لامب «سلطان الشرق العظيم»، أن السلطان سليمان القانوني شخصية لها منزلتها الكبرى في التاريخين الإسلامي والعثماني، وكان لها أثر كبير في التاريخ البشري كله في القرن الـ16 (١٥٢٩-١٥٦٦)، أي عصر النهضة الأوروبية، لما نتج عنه من آثار في تاريخ العالم، إضافة إلى الفتوحات العظيمة، وحرصه على نشر الدين الإسلامي وحفاظه على كرامة المسلمين.
يقول هارولد لامب: «لقد تعلّم سليمان في طفولته الأغنية القديمة عن الأشياء الحيوية الأربعة:
لكي تحتفظ ببلد فإنك تحتاج إلى رجال مُسلَّحين، ولكي تحتفظ برجال مسلحين، عليك أن تمنحهم مما تملك، ولكي تكون لديك ثروة، فإنك تحتاج إلى شعب غني. وبالقوانين فقط يمكنك أن تجعل الناس أغنياء، فإذا نقص أحدها ستكون كل الأربعة ناقصة، وعندما تكون الأربعة ناقصة، فلن يكون للبلاد وجود». قرر سليمان أن يخرج عن القاعدة العسكرية المألوفة، ويجعل القانون أول الأشياء الحيوية الأربعة ويحكم البلاد بالقوانين. وهكذا تنجو البلاد من الضياع.
تطورت حياة البشرية وتعقّدت، وتسابقت الدول في إصدار القواعد القانونية التي تهدف إلى تنظيم حياة سلوك الأفراد في المجتمع، مصحوبة بجزاءات رادعة توقّعها السلطات العامة على المخالفين.
القانون كما يُفسّره عُلماؤه؛ علم اجتماعي، موضوعه الإنسان وسلوكه مع نظائره، أعماله وردود أفعاله، وهدفه حكم الجماعات الإنسانية حتى لا تُترك العلاقات بين الناس، عائلية أو اقتصادية أو سياسية، فوضى يُنظمها كل فرد وفق رغبته ومشيئته. تكررت أمنيات وتطلعات الشعب السعودي، أن تترسّخ في تفاصيل حياتهم اليومية قوانين صارمة وعادلة ومُهابة، تفرض الأمان والنظام للمجتمع، خصوصاً تلك التي لها علاقة مباشرة وغير مباشرة بالسلوك والممارسة وردود الأفعال.
ولا يزال الشعب برمته ينتظر فرض إرادة السلطة العامة القوية والصارمة على الشارع ابتداءً، لأن النظام المروري الأمني القوي بعدله واحترافيته ونظامه وتطبيقاته التقنية الرقابية الشاملة، سيُشعر الناس جميعاً بتحوّل حقيقي في الوطن، ابتداءً من الطريق والشارع والأسواق ومختلف مفاصل الحركة والأنشطة اليومية للأفراد والجماعات.
لا أزال أجزم بدور النظام المروري المؤثر بشكل كبير في شعور الناس بالسعادة والراحة، وتعزيز محبتهم للوطن، وله مساس بعلاقات الناس مع بعضهم وإنتاجيتهم، ورغبتهم في الخروج للاستمتاع مع أبنائهم وعائلاتهم، عندما يشعرون بانتهاء حرب شوارع المركبات، والثقة بالأنظمة والقوانين والكفاءات البشرية التي تُدير وتراقب العمليات المرورية.
نُريد أن نرى مؤسسة المرور، تُدار بتخصصات أمنية ومدنية، تقنية، اجتماعية، وتسويقية، وبحثية. لم تَعُد مؤسسات المرور في العالم تتبع أسلوب المطاردات في الشوارع، حلّت محلها التطبيقات التقنية والرقابية عن بعد، وترصد حتى دبيب النمل؛ وهناك فرق بحثية تُحلل تطور اتجاهات قائدي المركبات وسلوكياتهم، والنتائج تُحدد مُقتضيات التطوير للأنظمة والتقنيات! لا يُمكنني أن أستوعب تطبيق الأحكام الشرعية العادلة داخل محكمة، وبعد الخروج منها أُشاهد أو أتعرض لأبشع صور انتهاك القانون، إما من خلال مخالفة مرورية بشعة ذهب ضحيتها أبرياء بسبب إهمال الرقابة المرورية، أو شباب طائش يتحرّش بفتاة عفيفة لأنهم لا يعرفون قانون عقوبات صارماً مكتوباً سيواجهونه جراء أفعالهم الشنعاء. هنا يصاب الإنسان بحالة من الانفصام، وعدم الشعور بالأمان! سؤال واجهه الشيخ، والمعلم، والطبيب، ورجل الأعمال، والرياضي، والفنان، ورجل الشارع:
لماذا تسمح لعائلتك بالسفر، إلى دبي أو لندن أو برلين، أو لوس أنجيلس، من دون أن تكون برفقتهم؟ الإجابة الجماعية: بعد التوكل على الله، هناك قانون صارم يُطبَّق على الجميع، ولا أحد يتعرّض لأحد لأن القانون يهابه ويحترمه الجميع، فلا خوف على عائلتي بوجود الأسباب؛ وأغلبهم أضاف في إجابته أن القلق ينتابني بشدة عندما تخرج عائلتي أو أبنائي داخل وطني!
القوانين منظومة متكاملة، تُنظّم حياة البشر في مناحي الحياة كافة، وعندما تكون ناقصة تختل حياتهم ويصابون بالخوف والقلق والارتباك، وبالقانون يُمكنك أن تجعل الناس أغنياء.