2016-05-01 

أصمتوا كي لا أقتلكم!

الياس حرفوش

الحياة - كم هو معبّر ذلك الشعار الذي اتفق النظام السوري وحلفاؤه الروس على إطلاقه على الهدنة التي أعلنوها في اللاذقية وغوطة دمشق. إنه «نظام الصمت». في ذهن دمشق وموسكو وطهران ليس المقصود فقط صمت المدافع الموجّهة ضد النظام. صمت السوريين هو المطلوب والمقصود، والرسالة المراد إيصالها من وراء «نظام الصمت» هذا، أنه لو بقي السوريون على صمتهم، كما كانوا خلال معظم السنوات الأربعين التي حكمهم فيها آل الأسد، لما حلّ بهم، بعائلاتهم وأرزاقهم وببلدهم، ما يواجهونه اليوم.

 

حلب لم تصمت. لهذا تتعرض أحياؤها الشرقية الخارجة عن سيطرة النظام لهجوم مدمّر لم يسلم منه بشر ولا حجر، أو مدارس ومستشفيات. الأطباء الباقون هناك، مثل طبيب الأطفال الدكتور محمد وسيم معاذ، يعاقَبون بالقتل لأنهم لم يصمتوا ولم يغادروا. بل بقوا في مدينتهم يعالجون جرحاها ويبكون قتلاها.

 

لا جديد في المجازر التي تشهدها حلب، ولا في أعداد القتلى، التي قدّرها «الخبير الإحصائي» ستيفان دي ميستورا، بضحية كل 25 دقيقة. النظام السوري أثبت براعته في ارتكاب المجازر كما عوّدنا في المدن السورية الأخرى، مثل حمص وحماة وإدلب ودوما وسواها... ولائحة الأسماء تطول وصارت تشمل كل المناطق السورية. غير أن هذه المجازر على بشاعتها وعلى رغم مئات آلاف القتلى الذين سقطوا، لم تحمِ النظام السوري ولم توفر له ضمانات البقاء التي كان يريدها. ولم تعد هذه الضمانات متوافرة له بين السوريين، فراح يبحث للحصول عليها من مواقع الدعم الأخرى، خصوصاً في موسكو وطهران، إضافة طبعاً الى الدعم الآتي للنظام السوري من الصمت الأميركي المدوي، وهذا صمت له قصة أخرى... لنتخيل ماذا سيحل بنظام الأسد لو رُفع عنه الغطاء الروسي والإيراني ليوم واحد.

 

لهذا، يخطئ نظام الأسد إذا كان يعتقد أن إسكات الأصوات المعارضة في المدينة السورية الثانية والعاصمة الاقتصادية التي دخلت متأخرة الى المشاركة في الثورة السورية، سيعني أنه كسب الحرب. هو يظن أن سيطرته على المدن السنّية الرئيسية، إضافة الى إسكات الأصوات المعارضة في اللاذقية نفسها وفي المناطق ذات الأكثرية العلوية المحيطة بها، وحالة التهدئة القائمة مع الأكراد في الشمال، تفرغ مطالب المعارضة من أي معنى، لأن حدود «سورية المفيدة» في هذه الحالة تكون قد اتسعت لتشمل أكثر الأراضي السورية، وهو ما أشارت إليه صحيفة «الوطن» السورية أمس، في تعليقها على الجرائم التي يرتكبها النظام في حلب بالقول: المعركة ستؤكد أن حلب هي قلب وعاصمة «سورية المفيدة». وحال سورية والمنطقة قبل معركة حلب لن تكون كما هي بعد المعركة.

 

لتبرير جرائمه في حلب، يدافع نظام الأسد عن نفسه بالقول أنه يحارب «إرهابيين» في هذه المدينة، بذريعة أن «داعش» و «جبهة النصرة» غير مشمولين بالهدنة التي تم الاتفاق عليها قبل جولة المفاوضات الأخيرة في جنيف. غير أن هوية الضحايا الذين تجاوز عددهم 250 خلال بضعة أيام، تؤكد كذب ادعاءات النظام وكذب حلفائه الروس الذين قالوا أنه يرفضون الضغط عليه لإيقاف معركة حلب بحجة أنها «معركة ضد الارهاب»، ليتبين أن هذا «الإرهاب» مقيم في المدارس والمستشفيات وفي الأحياء السكنية! فحقيقة الأسباب وراء معركة حلب أنها انتقام من خروج هيئة المفاوضات من جنيف وإصرارها على مطلبها الأساسي بإزاحة بشار الأسد من الحكم كشرط لحل الأزمة السورية.

 

أما الحجة الأخرى التي يسوّقها النظام لتغطية جرائمه في حلب، فهي أنه سيخوض معركة هزيمة «داعش» في الرقة ودير الزور بعد إنجاز هذه المهمة في حلب. ويساعد الروس في تسويق هذه الحجة من خلال حديثهم عن تنسيق مع الأميركيين في هذه المعركة الفاصلة مع التنظيم الإرهابي لاقتلاعه من «عاصمته» في الشمال السوري.

 

عندها، وفقاً لحسابات النظام السوري وحلفائه، تكون 3 انتصارات متزامنة قد تحققت: بشار الأسد ببقاء نظامه، وفلاديمير بوتين بحفاظه على موقع متقدّم لروسيا على شاطئ المتوسط، وباراك أوباما بإعلانه هزيمة «داعش» قبل نهاية ولايته... غير مأسوف عليها.

 

التعليقات
أضف تعليقك
الأكثر قراءة
مواضيع مشابهه