الحياة - لن يمر على العالم أبشع من المجرم بشار الأسد، في جزئية الفعل والبشاعة وانتقاء حمامات الدم، ولن تكون ثمة لحظة مباركة ومفرحة حد البكاء سوى ذهابه، فما يفعله بشعبه شيء فظيع ومروع. التاريخ الذي ستحفظه سورية عن بشار، ويحفظه كذلك المحبون لسورية، هو تاريخ من العار والسواد، لن يمحى على المطلق، ولن تخف آثاره وتداعياته إلا متى ما شوهد العار والسواد في شخص الطاغية. مذبحة حلب ليست طارئة في الفعل والتوجه والخروج عن كل القيم الإنسانية، فطاغية دمشق يضرب بكل شيء عرض الحائط، لأنه لم يواجه حتى اللحظة مساعي صارمة ومباشرة وسريعة، لصناعة حل سياسي لهذه الأزمة الأكبر عالمياً في العقد الأخير، هو يمارس بثقة تامة اعتداءاته وجرائمه ومخالفة كل القوانين الدولية ومبادئ الأخلاق، التي لم ولن يعرفها بشار وزمرته المتعددون والمتلونون.
تعيش سورية الجريحــة يوماً تلو يوم ضحية للدعم الروسي والسكوت الأميركي والترويج الإيراني لرموزه في عملية التوســـع. الداعم الأكـــبر للمجرم يلعب بحجر النوايا في كل حضور له، ويبدي استعداده للمضي في أجندة الحلول، لكنه يجمع كل هذه الحلول في نفق ضيّق، ويبدأ المراوغة والالتفاف، لإقناع المتفائلين بالحلول بأن توسيع النفق ســـيعطي الحلول ضوءاً أخضر ويمنح القضية السورية أكثر من قارب نجــاة، وهي - مع بالغ الوجع - محاولات لإضاعة الوقت ومنح المجرم الأكبر فرصة للعبث بمحتويات بلده، ومن ثم ترك الخونة في سعة من الأمر ليفعلوا ما يريدون، ويمارسوا دورهم في نشر الكراهية والتطرف والإرهاب والإجرام، وزرع الطائفية في أكثر من خريطة عربية، لتعيش كل خريطة في صنوف من المآسي والموت البطيء.
قام الحلفاء الظاهرون والمتسترون لنظام الإرهاب بما يفسر بالعقاب العاجل للمعارضة السورية، نظير انسحابها من مفاوضات «جنيف3»، هذه المفاوضات التي تتحدث عن كل شيء وتعد بكل شيء، لكنها لا تريد بتعبيرات صريحة وضمنية أن يكون مصير بشار موجوداً على طاولة التفاوض، وهي بذلك كمن يريد إطفاء الحرائق المشتعلة بلا توقف، من دون أن تأخذ على يد الفاعل وتحاسبه وتمنع عنه الثقاب والبنزين.
مفاوضات جنيف مفاوضات عرجاء ومائلة، ولا ترسم مطلقاً إلا حلولاً مائعة غير مشروطة، وأي حلول ليست مشروطة بمستقبل سوري من دون رائحة الأسد، فضلاً على وجوده، ليست إلا تخديرية ومضحكة مبكية في آن واحد.
انسحاب المعارضة جعل مركز ثقلها «حلب» مكاناً مناسباً لمذبحة بشرية تضاف لسجل المذابح المروع، الذي يقف على تنفيذه الإرهابي الأول بشار الأسد، لأن النظام الإرهابي المعهود يفتش عن أي مبرر للجريمة. هذه المذبحة تؤكد أن الرعاية الدولية لوقف الأعمال العدائية ليست إلا رعاية عمياء ومجرد غطاء وهمي لسلوكيات إجرامية، المفاوضات لن تكون منهية للحرب السورية ما ظلت موسكو داعمة للنظام السوري، وواشنطن تحضر في المشهد بالتباس كامل ومستفز ومترنح.
الدور العربي الآن دور مفصلي، ولو لوضع النقاط الشجاعة على الحروف الخائفة، لا بد من أن يأخذ الغضب مما يجري صورة مغايرة وأكثر قوة ومباشرة، فالصمت حيال هذه المجازر والاكتفاء بالمحاولات الخجولة والبعيدة عن المرمى، وترقّب ما تسفر عنه الأيام، لن يؤتي سوى مضاعفة مخططات الإرهاب وزيادة الصراعات والشرور. القضية السورية تتجه - ويا للخيبة - إلى التعقيد، في ظل تلذذ العرّابَين في موضوع التسوية أن يمارسا مهماتهما من نافذتي الدعم والصمت.